جمعتني دعوة كريمة بالأمس مع عدد من قيادات العمل الوطني، كان السؤال الأساسي الذي استوقف بعضهم: لماذا تصعد «حماس» ضد السلطة والأجهزة الامنية الوطنية في الوقت الذي تعلن التهدئة مع الاحتلال الاسرائيلي، المقصود ما جاء على لسان محمود الزهار في مؤتمره الصحفي أول أمس؟ جرى نقاش مسؤول بغض النظر عن القراءات المتباينة لممثلي الفصائل والمستقلين المشاركين بالجلسة. لم يخلص النقاش الى نتيجة، سوى الاتفاق على المفارقة العجيبة، التي تضمنها السؤال. مع ذلك السؤال مازال طارحا نفسه على المرء للاجابة عليه بالقدر، الذي يستطيع.
أولا لا يجوز لاي مراقب سياسي او اعلامي اسقاط خلفيات حركة «حماس» الانقلابية المعادية للمشروع الوطني، وبالتالي العداء للقيادة الشرعية برئاسة الرئيس ابو مازن.
ثانيا شعور قيادة الانقلاب الحمساوي ان عربة التسوية السياسية توقفت، ولم يعد لديها أفق. مما أزال من نفوس قياداتها حالة الخوف والهلع، التي لازمتها فيما مضى عندما كانت الحرارة تسري في جسد العملية السياسية، عندما اعتقدت ان عربة التسوية تسير بقوة وتصل غاياتها دون عمل أي اعتبار لها لـ«حماس» ولانقلابها في غزة. لذا قررت ايجاد موطئ قدم لها ولو عبر قاطرة المصالحة، حتى لا تخرج من المولد بلا حمص. ولكن حين نامت الحركة في التسوية، عادت قيادة الانقلاب الى سابق عهدها ومنطقها العدواني، لتتقاسم مع حكومة اليمين الصهيونية المتطرفة عملية تشويه السلطة وأجهزتها الوطنية.
ثالثا: شعور قيادة حماس أن الظرف مهيأ للانقضاض على السلطة لاعتبارين الأول: افتضاح مجموعات جديدة لها، اعتقدت لحين اعتقالها انها غير معروفة، وتقديمها اعترافات مذهلة مست بمخططات قيادة الانقلاب. والثاني: شعور «حماس» أن اللحظة مناسبة من زاوية أخرى، تتمثل في شعورها ان حركة فتح مازالت تعاني من الأزمة الداخلية، ولم تتعاف، لذا افترضت ان الفرصة مناسبة للانقضاض على السلطة والقيادة الوطنية.
رابعا: أرادت من تسعير حملتها المغرضة على السلطة والأجهزة الأمنية، تقديم أوراق حسن سير وسلوك لحكومة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية، وفي نفس الوقت، استباق أي عمل عسكري اسرائيلي ضد قطاع غزة، لاسيما وان الأجواء باتت تحمل في ثناياها خطوات تصعيدية، لذا لجأت الى اعلان التهدئة من طرف واحد، وعملت على تسيير دوريات على طول الحدود للحؤول دون اقدام أي قوة بالعمل العسكري ضد مواقع الاحتلال الاسرائيلي المدنية او العسكرية.
لم تأبه «حماس» بردود الفعل الوطنية ولا العربية او غيرها، لان همها تعويم انقلابها وادامته على حساب المصالح الوطنية العليا. ولم تتوقف، ولن تتوقف أمام التداعيات، التي تنجم عن سياسة تعميق الانقسام والتحريض على القيادة الوطنية وأجهزتها الأمنية، لاسيما وان تصريح الزهار وغيره من قادة الميليشيات الحمساوية، اتسم بتوجيه التهديد للأجهزة الوطنية ككل، فضلا عن محاولة خسيسة ومفضوحة لعبتها في محافظات القطاع عشية الانقلاب حين قامت بدس اسفين الانقسام داخل صفوف ضباط الأجهزة الأمنية، من خلال نشرها أسماء ضباط بعينهم، على اعتبار انهم، هم وحدهم من يتحمل مسؤولية اعتقال العناصر المخربة من محازبيها في مدن الضفة. وكأن لسان حالها، يقول، ان فلانا أو فلانا من الضباط هم الذين يتحملون المسؤولية وحدهم، بهدف ايجاد شرخ داخل الجهاز الواحد، واحداث تخلخل في المؤسسة الأمنية. غير أن «حماس» نسيت او تناست أن لعبتها مازالت حاضرة في الذهن، والدرس مدون في برامج عمل الأجهزة الأمنية الوطنية، كما ان الأجهزة، وهذا ما نسيته قيادة «حماس» أمست على مستوى عال من المهنية والمسؤولية الوطنية، ولم تعد تنطلي عليها ألاعيب الانقلابيين. اضافة الى انها (الأجهزة) لم تعد تخشى الزمر المتواطئة مع المحتلين الصهاينة.
يبقى من الضروري لفت نظر الراكضين في متاهة حركة الانقلاب الحمساوية، والعازفين بزماميرها، والقارئين بمزاميرها من الاعلاميين العرب والمسلمين وغيرهم، للتدقيق في ما ذهبت، وتذهب اليه حركة حماس في سياساتها العبثية، التي لا تمت بصلة للمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، لا من قريب او بعيد، لعلهم يتعظون لمرة من فضائح ومخازي حركة الانقلاب الحمساوية، وعموم تنظيم الاخوان المسلمين في ربوع الدنيا كلها