لن تذهب حماس إلى المصالحة حتى لو سلمت لهم المقاطعة في رام الله، فحماس المكابرة على الاكتواء بنار الفشل في غزة أصغر بكثير من أن تكون مشروع سلطة في الضفة. لأنها بكل بساطة ليست مشروع بناء أو تغيير، وإنما مشروع تخريب وتدمير.
صحيح أنها تمكنت من السيطرة على أربعمائة كيلو متر مربع ( مساحة قطاع غزة ) بالقوة المسلحة لكن مشايخها عجزوا حتى الآن عن السيطرة على وعي الغالبية العظمى من أهل غزة، فغزة لمن لا يعرف من سلالة المدن العريقة في سجل التاريخ الإنساني الحضاري، وكان لها دور عظيم بين مدائن الشرق الأوسط فكانت إلى جانب انطاكية والاسكندرية وغيرها مدرسة ثقافية حضارية، لا يمكن لتعاميم حماس ولا لمفاهيمها طمس هذا السجل ببيانات وتصريحات أحسن ما يقال فيها أن صانعيها قد ورثوا غباء المستبدين المستقوين على الناس بقوة السلاح.
قد يكونوا نجحوا في استخدام الدين كغيرهم من الجماعات والأحزاب في المنطقة، لحشد تأييد من هنا وهناك لكنهم يدركون جيدا أن مؤشر سرعة اشتعال التضليل اعلى من قدرة آلتهم الإعلامية وخطاباتهم المنبرية، فحماس لن تذهب للمصالحة أبدا لأن سقطتها ستكون مدوية، فصناع القرار والسياسة في حماس رأوا بعيونهم ولمسوا بأيديهم السقوط المدوي لجماعتهم في الانتخابات التشريعية البرلمانية في مصر العربية والشقيقة المملكة الأردنية الهاشمية، فهل يصدقن أحد أن حماس ستوقع على نهاية حقبتها السياسية، فالتوقيع على وثيقة المصالحة بالنسبة لحماس يعني الذهاب لانتخابات، والذهاب لانتخابات يعني السقوط لذلك فإن ما كان يسمى بقادة "المجاهدين الميدانيين" و" المشايخ السياسيين " قد ربطوا مصيرهم الشخصي بمصير انقلابهم الذي ستنتهي آثاره وتداعياته إذا ما أتيحت فرصة الحياة والديمومة لوثيقة المصالحة.
سنشهد كل يوم بدعة وصرعة جديدة من شروط حماس، يخرطون قطع الغيار لماكينة الدجل والكذب على الله والناس من أدمغة الشباب، كأنهم لا يعلمون أن دوران عجلة الباطل ستأخذ بأسنانها أصابع مشغلها. فأخر بدعة لهم أن جهاز المخابرات العامة قد هدد بعض المواطنين المنتمين لحماس بالإبعاد، فألفوا رواية كتب مقدمتها " إبليس المسكين" قالوا فيها أنه طلب منهم تعبئة بيانات واختيار اسم الدولة التي سيبعدون إليها!! تخيلوا. هم يريدون تثبيت رواية كبيرهم العاروري بأن الأجهزة الأمنية في السلطة تبعد أبناء فلسطين كما تفعل سلطات الاحتلال.. لكن هل سألوا الشيخ أبو طير النائب عن القدس إن كان رئيس السلطة قد قام بواجبه كرئيس لكل الفلسطينيين وضغط من أجل منع سلطات الاحتلال من إبعاده أم لا؟! فلو فعلوا فإن جوابه سيكون نعم بالتأكيد، فقد وقف معنا الرئيس ووقفت معنا السلطة فنحن فلسطينيون أولاً وأخيراً حتى وإن اختلفنا بالسياسة.
يريدون تفكيك العقدة التي نزلت كالصاعقة على سجل انقلابهم الأسود في غزة، فلم يسجل التاريخ الفلسطيني أن فلسطينيا منع مواطنا من العودة إلى بيته وأرضه وأهله إلا في تاريخ سيطرة حماس على قطاع غزة وفي أيام حكمها الاستبدادي، فألفوا هذه الرواية، فحتى لو كان أحد الضباط في جهاز المخابرات قد قال ذلك تهكما، فإنهم كان يجب أن يفهموها أن إتهام أجهزة الأمن الفلسطينية بالتبعية للاحتلال له تبعات وتبعات من باب رد سهام التهم الباطلة على وجوه مطلقيها ومروجي اشاعاتها، فلعل المغرر بهم يشعرون بخطورة نار الحريق الذي ستزجهم فيه مخططات قادة حماس، فرمي المناضلين الوطنيين بسهام التخوين والعمالة جريمة وتمرد على الأخلاق والنظام والقانون...لكنهم يعلمون وباليقين أن قادة الأمن هم وريثوا المشروع الوطني ومورثيه لمن يأتي بعدهم من الأجيال لا يمكن لمناضل منهم أن يفكر ولو مجرد تفكير بمثل هكذا إجراء ليس لأنه من المستحيل تنفيذه بل لأنه من المستحيل أن تسمح أخلاقه الشخصية والثقافة الوطنية التي اكتسبها أن يمرر هكذا أوهام عبر ذهنه، فوحدهم المهووسين بابتداع الفتنة قادرون على فعل ذلك، فعند حاجز بيت حانون (ايريز) شواهد وشواهد.
سأقول لكم مرة أخرى إن حماس لن تذهب للمصالحة حتى لو تم تنصيب الزهار أميراً على غزة والعاروي سلطانا على الضفة لأنهم سيشترطون معرفة لماذا خلعت أم ضياء غطاء رأسها " الحجاب " في اليوم التالي لانقلاب حماس، وفيما إذ كنت أنا وراء ذلك أم كان محض اختيار.. فربما إذا سمعوا جوابها يعلمون ما معنى أن يكون المرء حرا باتخاذ القرار، ومعاني حرية الاختيار، فيذهبون إلى مربع رشد وتعقل قبل وصولهم إلى مربع المصالحة، لكن قادة انقلاب حماس بلا " رقعة "، وسيكتشف العالم أنهم بلا أحجار شطرنج أيضاً. ( يقولون في العامية التونسية للذي يفعل ما يشاء بغير رادع أو حياء ويبقى متشبثا بعناده: " ما اصح رقعتك".