أثير لغط غير مبرر من قبل قادة وانصار حركة حماس على قرار الرئيس ابو مازن القاضي بالغاء بند الديانة من بطاقة الهوية الشخصية. وذهب البعض بعيدا في تفسير دلالات الخطوة. وعاد بعضهم للضرب على وتر " شرعية" الرئيس، كي يقولوا غير مسموح شطب بند الديانة، انسجاما مع توجههم وخلفيتهم العقائدية الدينية.
لم يكن موقف وردة فعل حماس الانقلابية مثيرا أو مفاجئا, لأن قيادة الانقلاب القائمة على ركيزة القاعدة الدينية، وعملت فعليا على تمزيق وحدة الارض والشعب، ومازالت حتى الآن تختطف محافظات الجنوب من حضن الشرعية، لا يمكن لها إلا ان ترفض التوجه الوطني المنسجم مع روح وهوية وشخصية الشعب العربي الفلسطيني.
توجه الرئيس محمود عباس، لم يكن توجها انفعاليا أو ردة فعل على حدث ما أو خروجا عن مرتكزات القانون والنظام ومصالح الشعب الفلسطيني؛ لا بل ان خطوته المتأخرة تنسجم اولا مع النظام الاساسي ( الدستور)، الذي ينص على المساواة بين المواطنين الفلسطينيين بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الدين أو العمر؛ ثانيا, يعمق عملية الصهر لأبناء الشعب الفلسطيني في بوتقة الوطنية، والدفاع عنها؛ ثالثا, انسجام الخطوة مع قرارات ومواثيق الشرعية الدولية وحقوق الانسان وقيم الحرية والعدالة الاجتماعية. رابعا, كما انه ينسجم مع الهوية القومية العربية، التي ينتمي لها الشعب الفلسطيني أسوة بشعوب الامة العربية.
السؤال الذي يطرح نفسه على قيادة الانقلاب الحمساوية ومن لف لفهم، لماذا يرفضون إلغاء بند الديانة من الهوية الشخصية؟ وما هي المصلحة في بقاء ذلك البند؟ وأي قيمة سياسية أو ثقافية معرفية أو حقوقية له؟ وهل ازالة البند تؤثر على الانتخابات مثلا؟ ام ستؤثر على الترشح لهذا أو ذاك من المواطنين للانتخابات أو على حصته من الميراث مثلا؟ اين هي الاسباب الموضوعية والمنطقية للاعتراض؟ وهناك كم غير قليل من الاسئلة تدور في ذات الحلقة، ولكن قيادة الانقلاب الحمساوية لا تملك جوابا سوى الديماغوجيا الدينية التخريبية، لتعميق انقسام وتفتيت وحدة الشعب.
لا يوجد اي مبرر منطقي ووطني يملي وجود بند الديانة في الهوية الشخصية. ووجودها كان بقرار سلطات الاحتلال الاسرائيلية، التي هدفت الى تعميق انقسام وتشرذم الشعب العربي الفلسطيني، كما فعلت مع ابناء الشعب الذين تجذروا في ارض الآباء والاجداد داخل الخط الاخضر، حيث قسمتهم الى ( مسلمين ومسيحيين ودروز وشركس ... إلخ) اولا لأنها تريد تعميم مفاهيمها ومعتقداتها التفتيتية المستندة الى الابعاد التمييزية الدينية، لاسيما انها كدولة استعمارية قامت على الطابع الديني، الذي حاولت إلباسه ثوب " القومية"، وهي براء من هذا التوصيف، لأنه لا يمت بصلة للقومية. ثانيا وكونها تعتمد تاريخيا قانون ومبدأ " فرق تسد!" الانجليزي، وتثبيت بند الديانة يعني تثبيت التشرذم، لتتمكن دولة التطهير العرقي الاسرائيلية من الانتصار على الشعب الفلسطيني من خلال ادخاله في دوامة التناقضات التناحرية على اساس ديني بدل ان تتوحد في بوتقة الوطنية وتدافع عن مصالح الشعب العليا.
هذا المنطق مرفوض من كل وطني بغض النظر عن انتمائه الفكري والسياسي والثقافي والديني أو جنسه البيولوجي. وبالتالي من ينادي ببقاء بند الديانة لا يمت للوطنية بصلة. وهذا لا يعني رفضا للدين، فالدين والانتماء له، هو حق طبيعي لكل انسان, لكن هذا الانتماء لا يشكل بحال من الاحوال عنوانا من عناوين الوطنية، لأن اتباع هذه الديانة أو تلك، هم من شعوب الارض قاطبة. لأن الدين ذا بعد اممي ليس محصورا في شعب بعينه. ومن ينادي بوضع بند الديانة في الهوية الشخصية يتساوق مع الرؤية الاسرائيلية.
المنطق الوطني يتطلب من جميع القوى الوطنية التصدي لنزعات حركة الانقلاب الحمساوية، ومحاصرتها وعدم السماح لها بتعطيل وتمزيق وحدة الارض والشعب والشخصية الوطنية الفلسطينية.