من أجل الموضوعية بالضرورة سرد بعض المتغيرات الدولية حتى يتمكن قادة الشعب الفلسطيني من وضع الخطط وتوفير كل عوامل نجاح هذه الخطط خاصة ما يتعلق بالأدوات والإمكانيات شريطة التمسك بعاملين اساسيين، الثوابت الوطنية وعدالة القضية من جهة والشرعية الدولية من جهة أخرى.

- المتغيرات على الصعيد الإسرائيلي:

لقد أسهم السابع من أكتوبر بتغيير الصورة النمطية لكيان أقنع العالم على مدى سبعة عقود ونيِّف أنه ضحية مبرر لها فعل أي شيء لحماية كيانها من خطر محيط معادي تمامًا وعليه بنى الكيان جيشاً قويًا له باع طويل في حماية الكيان عبر زعزعة الكيانات المجاورة. فالجيش الذي لا يقهر والذي تعود على الانتصار في كل حروبه وبأوقاتٍ قياسية منذ أكثر من أربعمئة يوم يحاول تسجيل انتصار جدي على الأرض دون جدوى.

الكيان استغل ولا زال يستغل السابع من أكتوبر لتمرير برامج استراتيجية وضعها صناع القرار في إسرائيل في أدراج مكاتبهم حتى تحين الفرص، لقد استخدمت إسرائيل هجوم السابع من أكتوبر لدفع السكان في قطاع غزة إلى الهجرة سواء بالضغط والإجبار أم بتحويل القطاع إلى مناطق غير صالحة للسكن وبالتالي هجرة ظاهرها طوعي ومحتواها إجباري.

السابع من أكتوبر برهن بما لا يدع مجال للشك أن إسرائيل تخوض الحرب بالنيابة عن قوى الاستعمار بالأخص الولايات المتحدة الأميركية، فلولا مشاركة أميركا الفاعلة في الحرب سواء من خلال المشاركة على الأرض أو التزويد بالسلاح إلى حماية إسرائيل عبر الحيلولة دون معاقبتها على الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في كل من قطاع غزة والضفة الغربية.

السابع من أكتوبر كشف الإدارة الأميركية على حقيقتها التي عول عليها الكثيرون بأنها أقل عداءً للفلسطينيين، فمن المعروف أن عدوان إسرائيل التوسعي يصب بلا أدنى شك في مشروع الولايات المتحدة في حربها ضد الصين وروسيا. الإدارة الديمقراطية تغادر البيت الأبيض دونما القيام بعمل جادٍ، وهو وقف الإبادة الجماعية أو حتى حماية المدنيين في فلسطين عبر توفير الغذاء والدواء وتجنيبهم قذائف أميركا الدقيقة والفتاكة.

السابع من أكتوبر وفر الذريعة للكيان لكي يصرح بمخططاته التوسعية بشكل علني ومن على أهم منابر العالم خاصة ما تم عرضه من خرائط في الأمم المتحدة وباريس إضافة إلى التصريحات اليومية لقادة الكيان بضرورة تهجير سكان فلسطين وضم الضفة الغربية وإعادة احتلال غزة.

استثمرت إسرائيل السابع من أكتوبر لممارسة الإبادة الجماعية بحق أهل قطاع غزة، إعادة احتلاله والترويج للاستيطان مجددًا مضاف إليه السيطرة على مقدرات الشعب الفلسطيني من الغاز الطبيعي والنفط المتوفرين بكثرة في شمال قطاع غزة.

- أما على الصعيد الفلسطيني:

لقد أسهم السابع من أكتوبر في تبيان حقيقة الجيش الإسرائيلي الذي كان متعودًا على حسم معاركه بنصر أكيد وفي فترة زمنية قصيرة، حيث أن هذا الجيش لم يسجل انتصارًا حقيقيًا رغم مرور ما يزيد عن أربعمئة يوم على العدوان. فرغم الدمار الهائل في كل المرافق في غزة لا زال هنا أناس صامدون.

ورغم أن عدد شهداء الشعب الفلسطيني من المدنيين خاصة الأطفال والنساء يفوق بعشرات المرات عدد قتلى الكيان الإسرائيلي ومع ذلك تعتبر خسارة إسرائيل في هذا العدوان الأكبر وعلى كل الصعد، عدد القتلى، عدد من أجبروا على ترك مساكنهم، أعداد الهجرة العكسية بما فيها هجرة رؤوس المال والعقول، الأثر الاقتصادي على الكيان وكان آخرها الأثر النفسي على مكونات المجتمع الإسرائيلي.

إن حجم الشهداء في الجانب الفلسطيني وهمجية العدوان بين عوامل أخرى كثيرة أسهم في اعادة القضية الفلسطينية إلى الصدارة وفي كل المحافل إضافة إلى انتاج تضامن شعبي غير مسبوق على مستوى العالم.

العدوان كشف الكثير من الحقائق وأهمها الصمت المريب للكثير من الدول وعجز المؤسسات الدولية عن القيام بواجبها لوقف العدوان ومنع التطهير العرقي والإبادة الجماعية.

أما الآن وبعد كل هذا الوقت وفوز ترامب بولاية ثانية بصفته الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة ومن منطلق معرفتنا بالرجل الذي تلقى في انتخابات 2017 دعم من مريم أديلسون قيمته خمسين مليون دولار مقابل الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ومباركة ضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة. أما في الانتخابات الأخيرة فقد دفعت السيدة أديلسون مبلغ مئة مليون دولار شريطة أن يسمح بضم الضفة الغربية.

نحن نعرف ورغم اختلاف الظروف بين فترتي الرئاسة أن ترامب صاحب مشروع صفقة القرن التي تنسجم ولو جزئيًا مع مخطط الجنرالات في غزة ومشروع سموتريش المسمى الحسم في الضفة الغربية ذلك المشروع الذي ينادي به الوزير سموترتش ليل نهار، ربما لا ينجح أي من حكام إسرائيل وأميركا في تمرير مشاريعهم إلا أن الاحتمال يبقى واردًا، وعليه ماذا نحن فاعلون؟.

إن على قيادة الشعب الفلسطيني منذ الأمس وضع الاستراتيجيات الكفيلة بمنع تحقيق المشروع الصهيو أميركي بل أكثر من ذلك عليها العمل على مراجعة المشروع الوطني الذي فشلنا في إنجازه وتصويب مواطن الخطأ وتطوير المواطن التي نجحنا فيها إضافة إلى وضع أسس إنجاز المشروع الوطني الفلسطيني من أجل ذلك لا بد من توحيد الموقف الفلسطيني عبر توحيد الصف الداخلي بكل مكوناته حول برنامج تمتين الجبهة الداخلية عبر محاربة الفساد والترهل والشللية والقبلية إضافة إلى خلق اقتصاد مستدام يعتمد على الواردات الوطنية والانتاج المحلي من أجل دعم المواطن وتمكينه من الصمود في أرضه.