من هذا الذي يخدم منظومة الاحتلال بأفعاله الخارجة على قيم الشعب الفلسطيني الأخلاقية، الفردية والجمعية على حد سواء؟ من هذا الطاعن والغادر بكينونة الشعب الفلسطيني الوطنية، والغادر بإنجازاته السياسية، تلبية لطلبات المنظومة الاستعمارية العنصرية من جهة، وتكريسًا لمطامع ومصالح دول وقوى إقليمية من الجهة الأخرى؟!

إن تركيز الأضواء على جريمة سرقة شاحنات المساعدات الأممية والعربية والدولية في قطاع غزة، عبر عصابات مسلحة (أفرادها ملثمون) ومسلحون بقاذفات مضادة للآليات، ليست حدثًا عاديًا، ولا مسبوقة من حيث كميتها ونوعيتها، رغم معرفة جميع المتابعين، أن كثيرًا من المساعدات سيطرت عليها مجموعات مسلحة من حماس، وحولتها إلى مخازنٍ تابعة لها، ثم أعادت بيعها لتجار تابعين وموالين، الذين يبيعونها بالتفصيل للنازحين بأثمان باهظة، رغم الدمغات المثبتة عليها: "مساعدات توزع مجانًا".

إن توقيت الجريمة، وتسليط الأضواء عليها، تزامنًا مع انتهاء المدة التي منحتها الإدارة الأميركية لحكومة دولة الاحتلال (إسرائيل) لإدخال المساعدات الدولية إلى القطاع، فبدا الأمر وكأن منظومة الاحتلال تسعى للحصول على ذريعة لحجز المساعدات، وتبرير دعوة مايسمى وزير الأمن في حكومة الصهيونية الدينية بنغفير للجيش الإسرائيلي للسيطرة على المساعدات ومنع وصولها للقطاع في سياق الضغط على حماس لإجبارها على إطلاق الرهائن الإسرائيليين، أما الأمر الآخر وهو الأخطر، إظهار المجتمع الفلسطيني كحالة مفككة، خالية من الحد الأدنى من المسؤولية والتضامن، وطغيان المكاسب الشخصية، مع انتشار مظاهر الفوضى، ومع تعمد حماس نشر فيديوهات تعذيب فظيعة لمواطنين، كتكسير أطرافهم بمواسير حديدية، وإطلاق نار عليهم بقصد الإعاقة، تحت عنوان "معاقبة لصوص" وهذا جزء من صور تعذيب مارسها مسلحو حماس أيام الإنقلاب سنة 2007.
وزاد على كل هذا إصدار منظمات إغاثة دولية بيانات تؤكد صعوبة إدخال مساعدات في ظل هذه الأحوال السائدة، واللافت في خضم كل هذا، التقارير التي نشرتها صحافة إسرائيلية بالعبرية، حيث أكدت سيطرة عصابات (أفرادها ملثمون) على شاحنات المساعدات تحت بصر وسمع جيش الاحتلال، ما يثبت ضلوعه في استخدام المساعدات كسلاح لتعميق الشقاق بين المواطنين في القطاع، وتهيئة الظروف لصراعات داخلية دموية، تستكمل بها جريمة الابادة بالأسلحة الحربية المدمرة، التي بدأتها منذ 410 أيام.

بالتوازي، تعمل أجهزة أمن الاحتلال على تعميم صورة فوضى وفلتان أمني من نوع آخر في بعض مدن الضفة الغربية، حيث يحدث بين الحين والآخر إطلاق مسلحين (ملثمين) الرصاص من بنادق رشاشة، وإلقاء عبوات نحو مراكز تابعة للمؤسسة الأمنية الفلسطينية، أثبتت تحقيقات جهات الاختصاص القضائية تعامل بعضهم مع مخابرات منظومة الاحتلال مباشرة، فيما البعض الآخر انساق بغريزة القطيع لفعل هذه الجريمة، التي لولا العقيدة الوطنية المسيرة للمؤسسة الأمنية، وحرص القيادة الفلسطينية على السلم الأهلي، والالتزام بمبدأ طهارة السلاح الوطني، وتقديس النفس والروح الفلسطينية، لتحققت أهداف أجهزة أمن منظومة الاحتلال، في كسر ظهر السلطة الوطنية الفلسطينية، وشيوع الفلتان والجريمة، كذريعة لتبرير موقف حكومة نتنياهو المتصلب تجاه حل الدولتين، خاصة في ظل تركيز وسائل إعلام إسرائيلية، وفضائيات عربية خادمة في ذات الاتجاه، على شعارات ورموز المسلحين، في نشرات أخبار وتقارير خاصة، تبرز المجموعات المسلحة، كقوات عسكرية منظمة تهدد أمن إسرائيل، وبهذا التضخيم تسند منظومة الاحتلال دعايتها ومقولتها، بأن أي دولة فلسطينية ستنشأ في سياق حل الدولتين، ستقع تحت سيطرة حماس والجماعات الموالية لإيران. وتدعم المنظومة دعايتها بأسماء ورموز تابعة لحماس وغيرها من المسميات، بتسليط الأضواء عليها وتضخيم قدراتها، لكن الرياح لا تأتي دائمًا حسب رغبة سفينة أمن منظومة الاحتلال، فالمؤسسة الأمنية الفلسطينية ساهرة ويقظة، وتتعامل مع الوقائع والقضايا والملفات وفقًا للقانون، وتقطع في اللحظات الحاسمة دابر عملاء دستهم أجهزة استخبارات الاحتلال، كشفتهم متابعة وتحقيقات أجهزة الأمن الفلسطينية، وتأكد تورط بعضهم مع الاحتلال في عمليات اغتيال واعتقال شباب فلسطينيين. أما المكلفون بإطلاق النار على مراكز قيادة المؤسسة الأمنية، فقد باتوا معروفين بالاسم، بعد نشر مكالمات هاتفية بين الطرفين، متاحة على وسائل التواصل الاجتماعي.

يقتضي الوعي الوطني تطويق الفوضى، وكشف مرتكبي جرائمها المتعددة أشكالها ومضامينها، والإجابة عن كل سؤال يراود ذهن المواطن.