لا أتحدث هنا عن عدد الأطفال الذين استشهدوا في غزة وتجاوز عددهم عشرون ألف طفل شهيد، ولا أذكر هؤلاء الذين بلا أم وأب وأصبحوا أيتامًا ليكون لدينا جيلاً من الأيتام أصبحوا بلا أسرة أو معيل. ولا أتحدث عن أطفال شاءت الأقدار أن يرتقوا في يوم مولدهم، وقبل أن تصدر لهم شهادات ميلاد، أو من كان محظوظًا لكنه ارتقى إلى العلا في مهده نتيجة القصف مع أمه وأبيه، بعد أن قيد في نفوس المواليد الجدد. قصة مأساة شعب بأكمله يقع تحت الإبادة الجماعية، يشاهدها الملايين من سكان العالم ولم يحركوا ساكنًا لوقف هذه المجازر، والإبادة الجماعية التي تحصد أرواح الأطفال والنساء من أبناء غزة الأبية. العالم يبدو أنه اعتاد هذا المشهد رغم الحراك العالمي لكنه يبدوا أنه لا يكفي لكبح جماح الجزارين. 

في كل زاوية من زوايا الوطن هناك قصة وحكاية، تحكي آلام الناس ومعاناتهم ونكبتهم التي لا تنتهي مع مولد هذا الاحتلال على أرض فلسطين.
المشهد في يوم واحد يروي قصة متكررة لسنين عجاف وطوال من المآسي تحت الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وشعبها. يكفي أن تمر بناظريك عبر الشاشات المتلفزة لتتابع حركة القتل والتدمير، والتخريب الذي يمارسه الاحتلال في مناطق عديدة وبالتوازي مع العدوان على غزة، ولبنان.

وفي جنين، وقباطية، وطولكرم، ونابلس شمالاً حيث ألف الناس والمشاهدين المشهد هناك. قوات عسكرية تنتشر في كل هذه المناطق يتابعون الشبان بشكل يومي بعض الأوقات تحدث اشتباكات، والبعض الآخر يلتحق بركب الأسرى والمعتقلين وهناك من يرتقي شهيدًا يلتحق بقافلة شهداء فلسطين.  أينما ترى جندهم تكون جنازات لشبان لم تتجاوز أعمارهم العشرين عامًا بشكل يومي، وجرافات D9, D10 تعمل دومًا برفقة الفرق العسكرية في تلك المدن والقرى والمخيمات، همها أن تعمل على تدمير البنية التحتية من شوارع، وشبكات المياه، وشبكات الصرف الصحي إن وجدت، وشبكات الكهرباء.

بمعنى أن تلك الفرق العسكرية تدخل المدن الفلسطينية تحصد أرواح أبناء شعبنا، وتعمل على خلق بيئة طاردة للسكن في تلك الأماكن. هذا عدى عن التدمير للبيوت أو تدمير المحتويات من داخلها. هي الحرب التي تشن بكل ما تعنيه الكلمة من معنى على الشعب الفلسطيني، في غزة، على الآمنين المدنيين من الأطفال والنساء المستهدفين، وهم لا حول لهم ولا قوة يرون فيهم ترسانة عسكرية، ومرابض مدفعية. وفي الضفة كذلك الأمر فإن الحرب يقع عليها كما هو الحال في غزة، ولكن ربما أقل ضررًا.

ومع كل هذا فالموضوع هو اغتيال لأطفالنا من نوع آخر، إنه اغتيال لحريتهم، اغتيال لحلمهم، اغتيال لأمانيهم. في وطني أماكن الترفيه واللعب للأطفال تكاد تكون معدومة، فلا يوجد ملاعب للأطفال يمارسون هواية اللعب في كرة القدم مثلاً، ولا تجد مراكز لتنمية المواهب إلا في بعض المدن الكبيرة. فالملاعب هي جزء من المدارس التربوية والتعليمية وفي معظمها تغلق أبوابها مع إنتهاء الدوام المدرسي، فلا يجد الأطفال أماكن يرتادوها بعد انتهاء الدوام المدرسي، وهي ساعات طويلة يقضيها الطفل ويحتاج إلى أن يمارس هواياته وميوله الفطري فلا يجدها.

وإن وجدت فهي مراكز تنموية قامت عليها جمعيات أو نشطاء في العمل الاجتماعي. لقد تم تدمير العديد من هذه الملاعب واستهدافها بالأمس في رافات منطقة القدس، دمرت منشات رياضية وملاعب للأطفال، جهزت بعرق وتعب وجهد أشخاص من أهل المنطقة لتدريب الأطفال فيها. هذا الاستهداف مثال فقط وليس للحصر على اغتيال الطفولة والثقافة الرياضية الفلسطينية.

ولكننا هنا صامدون وهنا باقون، مهما فعلوا وقتلوا ودمروا، والحلم لا ينتهي، وتتوارثه الأجيال، جيلاً بعد جيل ولا يستطيع كل محاولاتهم أن يغتالوا الأمل في غدٍ أفضل، وسينتهي هذا الكابوس الأليم مهما طال عمر الشر، لنا موعد غدًا مع الحرية والاستقلال. وسيرفع شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين على أسوار القدس عاصمة فلسطين الأبدية.