مع عدم جدوى الإشارة للعناصر الإقليمية الأساسية التي ساهمت في تشكيل وقائع حرب الإبادة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني وارتباطها بمصالح من يستثمر ومن يعمل على تحقيق تلك المصالح بسبب أن الجميع يعلم ذلك ومنذ بداية الحرب إلا أنه من المؤكد أن الجميع يعلم أيضاً أن الوضع الفلسطيني لن يعود إلى ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر الذي أسس لمعالم واقع جديد لطالما كان يريده الاحتلال من أجل تحقيق حلمه بقيام مشروعه التاريخي الديني العنصري ضمن بيئة جيوسياسية محيطة في شرق أوسط جديد يضمن للولايات المتحدة والغرب إبقاء إسرائيل كحارساً لمجمل المصالح التي يريدونها في المنطقة على المدى البعيد.

وفي  فلسطين هناك من يستمر في استئثاره بقرار الحرب من دون أن يعني باستحقاقات ما تسبب وتسببه مع إصراره على العمل منفرداً بقراءات خاطئة للواقع الذي تسببت به لا بل ويعمل جاهداً  للهيمنة على القرار الفلسطيني من خلال محاولات إضعاف النظام السياسي وتشكيل بدائل عن ممثله الشرعي المعترف به على الصعيد الدولي مجرّداً من أي تفكير أو مسؤوليّة اتجاه ما تم إلحاقهُ من أضرار بالقضية الفلسطينية على المستوى الاستراتيجي نحو العودة بها إلى الخلف لعشرات السنين من خلال تحويلها مجدداً إلى قضية اهتمام إنساني وإحتياجات خاصة ملحقة  بذلك بعد أن إستطاعت ثورة الشعب الفلسطيني أن تحولها من قضية لاجئين وخيام  إلى قضية سياسية بفعل نضالات وتضحيات جسام بذلها شعبنا عبر عقود طويلة مضت بعد السابع من أكتوبر أعادت إسرائيل احتلال قطاع غزة بأكمله واستطاعت أن تستدرج العالم لقراءة جديدة للواقع الجديد الذي فرضتهُ بتوحش آلتها العسكرية المدعومة بشرعية من حلفائها عبر العالم بما إدعته من مبررات الخطر الوجودي على الشعب اليهودي الذي أتاح لها أن تمارس حرب الإبادة والتطهير العرقي ليس في قطاع غزة فحسب بل وفي فلسطين كلها على مرأى من العالم أجمع دون أن يُحرك ساكناً أو أن يستطيع أحد أن يفعل ما من شأنه أن يضع حداً فاعلاً لحرب الإبادة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني لأكثر من عام.
    
هذا الواقع الجديد يدعو بالضرورة إلى إعادة إرساء توازنات جديدة في الداخل الفلسطيني وقراءات منطقية تنطلق من وقائع ما تسببت به الحرب على الصعيدين الذاتي والموضوعي لرسم معالم الخطوة التي يجب أن نقدمها لشعبنا الفلسطيني أولاً ومن ثم للعالم بعيداً عن الخطاب الرومانسي الزائف المبني على ثقافة إنتصار الدم على السيف التي لم تحقق في واقعنا الفلسطيني فاعليتها بعد أن سألت دماء شعبنا في كل طرقات وعواصم العالم وبعد أن قدمنا أكثر من مئة وخمسون ألف شهيد وجريح وآلاف المفقودين ولم نحصل حتى على هدنة نستطيع من خلالها إدخال عبوة ماء لقطاع غزة المحاصر.