زعماء كثر يحاولون استنطاق التاريخ البعيد أو القريب، واستحضار دروسه وتجاربه دون تقدير للشروط الذاتية والموضوعية لحدث محدد في زمان ومكان مختلفين عن واقع هذا الزعيم وشروط دولته، فتكون النتيجة وبالأعلية وعلى دولته، وخلق أزمات وكوارث تهدد مستقبله السياسي. في مثل هكذا حالات لا يكفي استحضار تجربة ما، أو استخدام ذات الأسلوب في حدث معين في شروط مغايرة نوعيًا، وأدوات مختلفة، دون أن يعني ذلك، عدم التعلم من دروس وتجارب التاريخ. لأن من لا يعرف التاريخ قاطرة العلوم، لا يستطيع قيادة شعبه إلى المآلات المرجوة، ويسهل على القوى والدول المعادية إيقاع أي زعيم في مطبات ومواقف خطيرة تؤدي للهلاك، ان لم يتم تداركها. 
أردت مما تقدم، أن أربط بين ما حدث في منهاتن في الحادي عشر من سبتمبر 2001 من تدمير برجي التجارة الدولية وبين حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وأدى ذلك لسقوط ما يزيد عن 3000 ضحية، لم تكن غالبية القتلى من اختراق الطائرات المدنية، إنما من عملية تفخيخ البرجين قبل وصول الطائرات بالوقت الذي تم تفجيرهما مع اقتحام الطائرات للبرجين وأدت نتائج العملية إلى الخسائر المذكورة، واستغلتها حينذاك إدارة جورج بوش الابن في شن حروبها على كل من العراق وأفغانستان وغيرها من الدول، بالإضافة لتغولها على دول وأقطاب العالم قاطبة، وفرضت عليهم تكميم الأفواه، والصمت على جرائمها الوحشية ضد الشعوب العربية والإسلامية. مع أن جميع دول العالم بما في ذلك قطاعات واسعة من خبراء وأساتذة التاريخ يعلمون علم اليقين، إن الولايات المتحدة الأميركية صاحبة أعلى وأضخم سجل في التاريخ البشري في شن الحروب على شعوب الأرض المختلفة، وهي الدولة الأولى عالميًا في انتاج الإرهاب والفوضى على دول وشعوب العالم المختلفة وخاصة دول العالم الثالث. 

ولا أضيف جديدًا، هذه العملية المفبركة من قبل جهاز المخابرات الأميركية CIA تمت بالاتفاق مع عملائها في قيادة تنظيم القاعدة، وما قامت به الطائرات المدنية كان بمثابة سيناريو هوليودي مفضوح، وهذا ما كشفته عشرات الوثائق التي نشرت من قبل مسؤولين في جهاز ال CIA وغيرهم من المسؤولين الأميركيين، ونشرت كتب بالوثائق عرت الإدارة الأميركية حينذاك والاعيبها المفضوحة. 
قيادة إسرائيل النازية والغبية برئاسة نتنياهو حاولت استحضار تجربة 11 سبتمبر في منهاتن الأميركية، فهي كانت تعلم علم اليقين بخطط حركة حماس، وأعلن عن ذلك رئيس حكومة الحرب في تاريخ السابع من أكتوبر 2017 على قناة "سكاي نيوز الإنكليزية"، أي قبل ست سنوات، وكان مخطط الهجوم بالتفصيل الممل على طاولة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والأميركية والغربية عمومًا. وأيضًا ليلة السادس وفجر السابع من أكتوبر 2023 كان هناك اجتماعات طويلة امتدت لساعات الفجر بين نتنياهو وأركان الأجهزة الأمنية لإدراكهم أن قيادة حركة حماس وكتائب القسام أعدت العدة للعملية العسكرية فجر السبت. وأكدت إحدى العسكريات الاسرائيليات وهي برتبة مقدم، أنها نبهت القيادات المختلفة لتحركات عناصر حركة حماس، وكانت أيضًا المجندات لمراقبة الحدود في ليلة السابع أكدن أنه تمت عملية تشويش على أجهزتهن الرادارية، التي كما ذكرن تلتقط النملة وهي سائرة، مما أتاح لحركة حماس تنفيذ العملية التي اطلق عليها "طوفان الأقصى" وأودت بحياة 1200 قتيل، وأسر 254 إسرائيلي، وجاءت الخسائر الأكبر في أوساط الإسرائيليين من قبل الطيران الحربي والمروحي الإسرائيلي، الذي هدف إلى تضخيم عدد الضحايا لتأجيج الرأي العام الإسرائيلي والإقليمي والدولي  ضد الشعب الفلسطيني وقيادته، وتنفيذ مخطط تصفية القضية الوطنية برمتها. 

واعتقدت القيادة الإسرائيلية أن بإمكانها أولاً إنهاء عملية السيطرة على قطاع غزة بوقت قصير، لا يتجاوز الخمسة عشر يومًا؛ ثانيًا الإفراج عن أسرى الحرب الإسرائيليين، وعدم اطلاق أي من أسرى الحرية الفلسطينيين؛ ثالثًا خلق قيادة أكثر موالاة من حركة حماس مع أبناء العائلات الغزية؛ رابعًا جمع سلاح أذرع المقاومة الوطنية وتدمير الانفاق خلال أيام؛ خامسًا فصل قطاع غزة كليًا عن الضفة الفلسطينية؛ سادسًا تهجير أكبر عدد ممكن من أبناء الشعب الفلسطيني؛ سابعًا إمكانية عودة الاستيطان إلى غزة تلبية لطموحات أقطاب الصهيونية الدينية. 
لكن حسابات حقل رئيس حكومة الحرب، لم تكن تتوافق مع نتائج البيدر، فكان الحصاد فشلاً وإفلاسًا وازمات إسرائيلية، ونتاج فقر حال نتنياهو وأقرانه من قادة الجيش والأجهزة الأمنية لم يدركوا الفرق الشاسع بين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبين لعبة الاتاري الأميركية في منهاتن، مما أوقعهم في شر أعمالهم، وأفقدهم البصيرة السياسية والعسكرية. لا سيما وأن الحرب دخلت شهرها العاشر، ولم يتمكن الجيش الإسرائيلي من الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، إلا عن عدد أقل من أصابع اليد الواحدة، ولم تتمكن قيادة إسرائيل السياسية والعسكرية من تحقيق هدف التهجير القسري لأبناء الشعب العربي الفلسطيني، وكشفت حرب الإبادة الجماعية عن خواء وهزيمة النظرية الأمنية الإسرائيلية والأميركية من خلفها. والهدف الوحيد الذي حققته حكومة الحرب في اليوم 281 من الحرب، هو إسقاط أكثر من 38 ألف شهيد، وما يزيد عن 88 ألف جريح وما يفوق 10 الاف مفقود وجلهم من الأطفال والنساء، وعمليات تدمير غير مسبوقة في الوحدات السكنية والجامعات والمدارس والمعابد والبنى التحتية، وإخراج المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة.