حركة فتح الفكرة والقيم وحركة فتح الارتباط بالجماهير والهمم ، وحركة فتح فلسطين والتحرير، وحركة فتح الفكر الوطني في السياق الحضاري العربي الاسلامي المنفتح هي حركة التجذر والارتباط الجماهيري الفلسطيني والعربي.

 وان استطاعات أن تجذب حول بستانها المرحاب كل الورود والأزاهير من مختلف الأفكار فلأنها طرحت نفسها إطارا جامعا وحدويا يلتقي فيه الجميع ليتكرسوا لفلسطين ويعطوها الأولوية، ويعيشون ويتنفسون من خلالها بعيدا عن أحلام الأفكار الشمولية الطوباوية وشعاراتها غير الواقعية.

 فاستطاعت أن تحقق جذبا لمن آمن بذلك،واليوم سار وراءها كل من ابتعدوا عنها أو خالفوها كفكرة ونظام ورأي سياسي سنوات طوال، فكل من أدانوا او كفروا أو رفضوا الوطنية (باعتبارها نقيض القومية او الاسلامية) والكيانية (ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية) والوسطية والاعتدال و كافة أشكال النضال وآخرها المقاومة الشعبية، والثوابت الفلسطينية والديمقراطية والمدنية والمجتمع المدني، كلهم أصبحوا وآخرهم "حماس" يعبرون عن ايمانهم  ويمارسون بواقع الأمر -وليس بالضرورة بما تقوله أو لا تقوله الشفاه- ويسيرون على درب ما حققته الثورة الفلسطينية وحركة فتح وهذا في عيدها ال47 يمثل انتصارا ومحل اشادة وتقدما للقضية والثورة الفلسطينية.

عندما كان ياسر عرفات يضع رأسه بين يديه كان يستقبل في رأسه هموم فلسطين والأمة جمعاء، فلم يكن ليفصل بين القضية الفلسطينية -وان أعطاها الأولوية دوما- وبين الأمة العربية والإسلامية وجماهيرها.

ولطالما ردد القائد العروبي الاسلامي الفتحوي خالد الحسن أن القاطرة الفلسطينية لا تسير بدون القطار العربي مكرسا العمق الحضاري للثورة الفلسطينية وحركة فتح .

أما الشهيد الصارم والكلمة المدفع صلاح خلف فانه ومن أعماق قلبه كان ينشد للأمة ويسابق الريح لتسمع كلماته من الشام لبغداد ومن يمن لتطوان حيث تتموضع فلسطين دائما في قلوب الجماهير، وهذا هو ديدن حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح.

 

فتح "الحركة"

انطلقت فتح (حركة) حيث يجتمع بين جنباتها التيار العام للشعب بكافة فئاته، الذي ينزع كل أرديه التحزب البغيضة والإيديولوجية الحصرية ليتكرس لخدمة الشعب وقضيته ، ليتكرس لفلسطين لا لخدمة الفكرة الواسعة الممتدة والخيالية في آن (دكتاتورية البروليتاريا، انتصار الطبقة العاملة، قيام الخلافة الإسلامية ، تحقيق الوحدة العربية الفورية.....)

وهي حركة وليست حزبا (ايديولوجيا) كما هو حالة منظمة "حماس" او منظمات اليسار، وان لم تكن الحزبية يوما عيبا فان التعصب نشأ في العصر الحديث في الإطار الحزبي (غير الديمقراطي) حيث تصارعت الأفكار الثلاثة الكبرى في بداية القرن العشرين وهي الاشتراكية والقومية والدينية ففشلت جميعها لأنها تعارضت دون رغبة بالالتقاء، وتصارعت في ظن شبه أكيد أنها مكتملة بذاتها فقط، ما بدا ومع الصعود العربي الحديث انها أخطأت من حيث ظنت (الحصرية) و(الحصانة) والاكتفاء الذاتي و(الشمولية)

وها هي هذه الأفكار تعود اليوم في عباءة جديدة حيث فارقت جميعها الظنون وتدثرت بعباءة الديمقراطية والتعددية والمدنية التي رفضتها تلك الأحزاب جميعا فيما سبق تحت نظريات دكتاتورية البروليتاريا أو المستبد العادل أو الخلافة أو الحزب القائد أو حزب القائد.

وتكشف للأمة وللمتنورين في هذه الأحزاب مدى محدودية الفكر عامة مهما كان منبعه، كما ظهر لها الحاجة الملحاحة لكل فكر اوإيديولوجية أن تأخذ من الأخرى في إطار منفتح وسياق متصل ورغبة في التطور والإثراء.

 

فلسطين جامعة النقائض

منذ البداية وحتى اليوم وحركة فتح لا تجمد ولا تتحيز ولا تقصي ولا تغتاظ من نجاحات الآخرين، بل كانت مرحابة دوما منفتحة أبدا بحيث أنها احتملت في داخلها النقائص تلك التي عاشت متحاورة ومتجاورة، متحاربة حينا ومتصالحة حينا يحدها من الجهات الستة قضية فلسطين .

فحيثما اختلفت وصعدت أو حطت رحالها كان الجامع لنقائص أوتيارات أو اجتهادات حركة فتح هو فلسطين، وليس كأولئك الذين وضعوا فلسطين على هامش مشروعهم الأكبر أو الشمولي فأصبحت ثانوية لا أساسية وفرع لا أصل.

فتح الحركة حيوية وديمومة، أصالة وتغير دائم، وفتح الفكرة والخلق والسلوك كانت تنهض من عبق الشارع واغتراف المعاني الصاعدة من نهر الحضارة العربية الإسلامية وبالإسهامات المسيحية الشرقية، وبالانفتاح على الفكر والحضارة والثقافة الإنسانية عامة وهي بذلك أبرزت مفهوم (الوطنية) في السياق المحيط.

 

تختص وتركّز وتكرّس

إن فتح حركة (وطنية) من حيث أنها (تختص) ومن حيث أنها(تركّز) ومن حيث أنها (تضع الأولوية)، انها ليست حركة اقليمية وانما قطرية وطنية في الفضاء العربي كما استلهمت ذلك اليوم كل الثورات العربية، ففي حين عمم الآخرون فكرهم وشرقوه أو غربوه، وحملوه ما لا يحتمل أو انقصوه، فان حركة فتح اختصت بفلسطين حيث هي الهدف أولا وما سواها من القضايا على أهميته يليها ويغذيها.

فلا قضية أفغانستان أو البوسنة أو العراق أو... من القضايا تتقدم على فلسطين وان كانت  لاتهمل في الإطار الفتحوي العروبي والثوري العالمي حينما يضع ياسر عرفات رأسه بين يديه، ولكنها قضايا على أهميتها تأتي في سياق خدمة (الوطنية الفلسطينية) ذات الأولوية من جهة ومجال الاختصاص الفلسطيني من جهة ثانية.

كانت حركة فتح حركة وطنية لأنها (كرست)و (ركّزت) و(أضاءت) بشكل أساس على فلسطين من كافة الجوانب، وهل كان المطلوب من أي تنظيم فلسطيني أن يصرخ قائلا غير فلسطين؟ وهو (الفلسطيني)؟ وهل كان على الفلسطيني أن يحمل أعباء الثوار في العالم في نفس الميزان مع فلسطين؟! وبمعنى آخر ألم يكن الأجدر بكل صاحب قضية ان يكرس ويركز ويضئ على قضيته أولا قبل ان يضع في جعبته قضايا العالم معا؟! وهذا ما فعلته حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح.

وفي سياق وطنية الحركة دافعت طويلا عن استقلاليتها وحاربتها أنظمة وجهات عدة خسرت تلك الأنظمة وفازت فتح الاستقلالية في عمقها الوطني وامتدادها في محيطها الشاسع.

 

تحرير فلسطين محور الفكرة

فتح الحركة الوطنية الفلسطينية كفكر هي حركة تحرر بمعنى أن شغلها الشاغل كهدف وفكرة محورية محركة للفعل هو التحرير، وتحديدا تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، دولة مستقلة ثم دولة ديمقراطية مدنية على كامل التراب الفلسطيني.

إن التحرير الوطني أو القومي هو كفاح للتخلص من العبودية للمستعمر واحتلال الأرض والإنسان ، وفي هذا السياق اقتدت الثورة الفلسطينية و حركة فتح بتجارب الشعوب حتى اكتشفت طريقها الخاص.

فمن حيث هي اقتدت بالثورة الجزائرية والصينية والفيتنامية والروسية والكورية والكوبية في حرب الشعب طويلة الأمد أو النفس وجدت في مراحل متقدمة واثر نضالات بطولية تحسب لمصلحة فلسطين وفتح، وجدت أن المسار النضالي التونسي قابل للتأسي، كما وجدت في تجارب الثورات الأخرى مثل تجربة جنوب افريقيا إمكانية للاستفادة منها والاحتذاء ببعض جوانبها إلى أن اكتشفت تميز تجربتها ونضالها وقدرتها الذاتية على الابداع التجدد.

ان حركة فتح التحرير أصّلت الكيانية للشعب الفلسطيني تلك التي حاول الكثيرون اسقاطها أو هدمها ابتداء من العدو الصهيوني الذي ما زال ينكر هذه الكيانية والشعب وقيام الدولة، إلى هذا النظام أو ذاك، الا ان فتح أركبتها مركب الصعود في عربة منظمة التحرير الفلسطينية، التي قامت ونامت وقويت وضعفت، ولكنها حتى في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية ، وفي ظل نزاعات عكست نفسها علينا ومن خلال التنظيمات بقيت هي الدار وهي الحامي وهي مقر الكيانية للفلسطينيين في الداخل والخارج.

 

الفتحاويون أبناء عمر

إن فتح كحركة تحرر وطني ، فعل نضالي متصل ومخالطة وتواصل وتفاعل مع الناس ، وقدرة على العطاء لا تنضب، وسعي للعمل كقيمة وصدق مرصود بحيث أن أبناء حركة فتح يعدون بحق أحفاد عمر بن الخطاب، حيث انه يؤثر عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه شهد عنده أحدهم شهادة في شخص فرفضها عمر لأنه اعتبر الرجل لا يعرفه استنادا لقواعد المعرفة الممثلة بالصدق والمخالطة والمعاملة حيث قال عمر (فهل كانت بينك وبينه معاملة، قال: لا ، فهل ائتمنته على شيء، قال: لا ، فأنت الذي لا علم لك به، أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد...) وقال في موضع آخر(لا تنظروا إلى صيام أحد ولا صلاته، ولكن انظروا إلى صدق حديثه إذا حدّث وأمانته إذا ائتمن، وورعه اذا أشفى).

 

ثلاثية صعود الحركة

فتح حركة الوطنية الفلسطينية الصادقة صعدت بعوامل ثلاثة أولها: أنها جاءت من آلام وآمال الشعب، وتواصلت بذلك فجعلت من التحامها واعتمادها والتصاقها وتعليمها وتعلمها من الجماهير أحد أهم أسس انطلاقتها وديمومتها، فلا تكاد ترى فواصل أو فروقات أو أبواب موصدة بين قياداتها السياسية والتنظيمية والميدانية والناس، فهم منهم وبهم.

وثانيها أنها رفعت شعارات الجماهير بالتحرر والعودة والكفاح الوطني ومارست ذلك قيادة للجماهير أمامها ومعها فقدمت آلاف الشهداء في سبيل الله وفي سبيل فلسطين بلا حساب، في الوقت الذي اعتبرت فيه بعض تنظيمات الاستكانة والهزيمة والنكوص أن شهداء الثورة الفلسطينية وحركة فتح (فطيس).

أو أنهم يموتون كفارا أو غير ذلك من التهم القبيحة والتي ما زالت تعشعش في رؤوس أمثال هؤلاء حتى اليوم ممن ينصّبون أنفسهم أوصياء على دين الله أوعلى القومية أوعلى الوطنية أو على المقاومة في عملية تباعد عن الناس وتلاقي مع أحلامهم وعجزهم وفتاواهم التي ستلقى بهم في نار جهنم بعد أن يكشفهم الناس وينبذوهم في العراء.

 

القيادة في المقدمة

وثالثها أنها تنظيم الصدق، فلم يكن لكوادرها أو قياداتها أن تراوغ أو تداور مع الناس، فحيث أشعلت نار الكفاح المسلح كانت قيادة وكوادر في المقدمة

وحيث اختارت طريق الانتفاضة حملت معها كل الفئات وشاركت فيها كل الأطر، وحيث اعتمدت الكفاح الشعبي والمقاومة الجماهيرية مارستها بأشكالها السياسية والاعلامية والميدانية، فلم تلتبس عليها الوسيلة بل اختارتها بقدرة التحليل للمحيط ورصد المتغيرات وبقدرة الفرز للمعسكرات المعادية والمراوغة والصديقة، وبوعي القادم وسارت خلفها الركبان من كافة التنظيمات وآخرها حماس التي ربما استوعبت مصداقية فتح في خياراتها وتعاملها مع جماهيرها، وقدرة أهدافها على عكس نفسها من الآخرين وعليهم

 

ما شئت لا ما شاءت الأقدار؟!

اعتاد البعض أن يكون الكلام عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح بمنطق السلب، حيث اعتادوا سعة صدر القيادة الفتحوية الى حد التسيب، وتعلموا الديمقراطية على ظهر حركة فتح الذي ألهبوه بالسياط، وتنسموا نسائم الحرية في أروقة مكاتب الحركة، وبساتينها، وحاوروا وناوروا وجادلوا وعارضوا وصارعوا في مواجهة فتح، إلا أنهم جلسوا مقيدي الأيدي والفكر حينما يتعلق الأمر بأحزاب شمولية أو أنظمة شمولية (الافكار الشيوعية والاسلاموية الحصرية والقومية والشوفينية)

وكأن الديمقراطية والحرية والتعددية وإمكانية النقد تقف فقط عند عتبة باب اللجنة المركزية لحركة فتح، وتنأى عن تلك النظم والأحزاب الاستبدادية حيث تستبدل النغمة العالية بمدائح تشبه مديح ذاك الشاعر المتزلف ابن هانئ الأندلسي الذي وقف يقول للمعز لدين الله الفاطمي:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار        فاحكم فأنت الواحد القهار

وكأنما أنت النبي محمد            وكأنما أنصارك الأنصار

أنت الذي كانت تبشرنا به        في كتبها الأحبار والأخبار

أو قول أبو الحسن بن جبلة الشاعر:

أنت الذي تنزل الأيام منزلها        وتنقل الدهر من حال إلى حال

وما مددت مدى طرف إلى أحد      الا قضيت بأرزاق وآجال

وهذا هو الحال هذه الأيام بين منتقد لطبائع الحرية والديمقراطية والتعددية ومتوقف عند حد المديح لرذائل حزبه أو فكره الاقصائي أو نظام الاستبداد الذي يتعلق به.

 

فتح تهزم التفكك وتزعج المنافسين

اعتادوا تعداد سلبيات فتح، إما طعنا أو حسدا أو رغبة في التدمير لارغبة في الإصلاح والتطوير لتنظيم تكالبت عليه الأكلة (كما تتكالب على قصعتها)، ولكنه ظل عفيّا يناطح السحاب قوة، لم يستطيعوا حتى الآن أن يفكوا رموز قوته حتى باستخدام الرياضيات الحديثة أو معادلة (انيشتين) في النظرية النسبية.

استطاعت حركتنا حركة فتح أن تهزم التفكك والصراعات، كما هزمت الشدائد والرزايا ، وخاضت المعركة تلو المعركة تلك العسكرية منها أو السياسية أو الإعلامية أو الجماهيرية فتخطت أزماتها، ومنها أزمة الانشقاق الكبير عام 1983 ، وأزمة الانقلاب الدموي في غزة عام 2007 وأزمات العلاقات العدائية التي نصبت فيها الأنظمة الاستبدادية المدفعيات والراجمات والبنادق لتدق عنق الثورة أو تشوه جسدها كما فعل نظام القذافي أو نظام حافظ الأسد طوال أكثر من 30 عاما، ولكنها عفت وسامحت وتجاوزت وتخطت وخرجت من كل مآسيها في حروب المخيمات في لبنان ومن الانتفاضات أكثر قوة وقدرة ومحبة أزعجت المنافسين وأرّقتهم وجعلتهم ومَن وراءهم يداومون على ضربها وتشويهها بلا جدوى ومن حيث فشلوا فشل معهم الاحتلال الصهيوني.

 

فتح الرحابة والدولة المدنية

ولأنها حركة فتح أي الرحابة والسعة والفضاء الواسع لم تضق يوما ذرعا بمعارض، ولم توجه له سكينا أو بندقية كما فعل متطرفو حماس في انقلاب غزة عام 2007 ، وكما فعل قبلهم أتباع (ابن هانئ الاندلسي) مداحي نظام الاستبداد والجور والظلم الذين دكوا حجارة طرابلس عام 1983 على رؤوس الفلسطينيين، واكملوا كشف عوراتهم عبر حروب المخيمات الطويلة في لبنان.

ان فتح الرحابة والسعة والفضاء الواسع تتغاضى وتسامح وتفتح الصدر بمودة ومحبة تماما كما فعلت مع الانقلابيين في غزة، حيث يجب أن تقف بصلابة ضد القتلة وضرورة محاسبتهم، وضد الانفراد والانتخابات لمرة واحدة عبر تكريس الديمقراطية والتعددية بصرامة ، وان تقف ضد من يتوهمون ويحلمون أو تخنقهم روائح الأدخنة في الغرف المغلقة حينما يحلّقون فكريا دون وعي أو فهم أو تجربة أو تفاعل مع الناس، فلا يحاربون من اجل حريتهم وكرامتهم وحقهم في الحياة والتفكير والتعبير في ظل الدولة المدنية التي قد تحتاج منا لعشرات السنين ليستطيع الناس جميعا أن يدركوا أنها مستقبلهم في ظل الاحتلال أو حين زوال الاحتلال فلا نستبدل احتلال الأرض والهواء باحتلال العقل والرئتين.

 

ثغرات في المسيرة

آن لنا أن نفرد صفحات لبعض الثغرات في مسيرة حركة فتح المتجددة بعد انطلاقتها الجديدة مع المؤتمر السادس عام 2009 والتي منها.

 

بطء التغير: وحيث أن التغيير قد حدث في الأفكار والسياسات والبرامج والشخوص، فلم يكن لفتح إلا أن تضع كل ذلك في مسار الفعل ، وهي وان أحدثت تغييرا "محدودا" في الأطر، وعميقا في الفكرة والميدان (اعتبرت العمل معيار الانتماء، وفرضت الاشتراك المالي، وقامت بالانخراط الشعبي والتواصل التنظيمي....)، إلا أن هذا التغيير سار وما زال ببطء لم يطبع بصماته على جسد الكادر وفي قلبه .

ولم يكن للتثقيف أو التعبئة الداخلية أو التدريب أو المتابعة أو التخطيط حد مقبول في الإطار الصاعد والنازل رأسيا وكذلك أفقيا، وهو وان بدا واضحا في بعض خلايا التفكير ولجان المساندة وعدد من المفوضيات ومجموعة من الأقاليم التي نعتز بتطورها، إلا أن هذه التغيّرات لم تصبح حتى الآن سمة أو طابع أو لغة مشتركة أو بصمة أو علامة مسجلة لحركة فتح حتى الآن.

 

خوف من المستقبل: يتلبّس بعض الكوادر في الحركة رداء التشكي الدائم ضمن قلة الحيلة والسلبية ويتلبس الآخرون خوف من المجهول ومن القادم ومن المستقبل، وهم إذ يرون متغيرات داخلية ولدى الاحتلال، وفي المحيط العربي تصطك ركبهم كما ركب أولئك في حماس من القادم، فهؤلاء يخشون التلاشي كما يخشاه أولئك، والطرفان  يمثلان شخصيات مليئة بالثغرات أو الحذر المبالغ، وعدم الرغبة في التقدم. 

إن كان الخوف ضرورة فانه يجب أن يكون حافزا ودافعا ومحرضا على الفعل لا على القعود ونكران الفعل، وإلقاء كل شيء في وجه القدر. إن الآلة تدور بتروسها جميعا، و(الاوركسترا) لا تصدر اللحن الشجي إلا بتناغم كامل عناصرها، فلكل فرد أو عضو دوره في مسار الفعل الجماعي ولكل موقعه ولكل عمله الذي يعرف به حيث يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( وقيمة المرء ما قد كان يحسنه، والجاهلون لأهل العلم أعداء).

 

التشاؤم والسوداوية: إن من ابرز عيوب (القلة) في جسد فتح هي نظرة التشاؤم الدائمة والسواد الحالك الذي يحيط عيونهم وعقولهم، فالماضي جميل والحاضر سيء والمستقبل مخيف، وبمثل هؤلاء تتقهقر الحركة وبمثل هؤلاء ينطفيء لظاها وتخبو نار مشعلها، المضيء حتى تحرير فلسطين وعودة اللاجئين وتحقيق الدولة الديمقراطية المدينة.

إن فكر (النعي) والتذمر الدائم والشكوى هو سم قاتل في جسد أي تنظيم خاصة إن ارتبط بالقعود والتثبيط للذات والآخرين، حينها يتحول النشاط إلى تخريب مقصود ومتعمد.

إن الفكر الايجابي لا يبرز إلا في المحيط السلبي، وإلا فان الايجابية في المحيط الايجابي لا تعد فضيلة ، بل الفضيلة بالتفكير الايجابي الذي ينتزع ذاته من بين أنياب السواد والجو المحبط، وهنا يظهر الشجعان حيث يقول الشاعر جرير: قل للجبان إذا تأخر سرجه /هل أنت من شرك المنية ناجي؟

 

النقد الفضائحي

في حركة فتح تعلمنا أن ننظر بالعينين الاثنتين فتعلمنا النقد، ولكننا معه تعلمنا أن نأخذ بيدنا اليمنى زمام أمرنا فنعمل ثم نعمل ثم نعمل، لأن العمل في فتح لخدمة القضية والناس والتنظيم ما يمثل فضيلة حركة فتح، وهي-أي الحركة- إذ تضع الله سبحانه وتعالى نصب العينين، فانها ترى في الناس مفتاح الحل ومبرر الوجود وهدف الفعل لأن تحرير فلسطين تحرر للجماهير، ودحر الاحتلال لمصلحة الناس، وإعلاء قيمة الفرد وخدمته في شؤونه الصحية والاقتصادية والاجتماعية الصغيرة والكبيرة واجب.

في فتح تعلمنا النقد ولم نترك العمل، فلم يكن النقد لمجرد تعداد السلبيات أو التنفيس أو التشفي أو دلالة الكراهية، وإنما بغرض تصفية النفوس وبطرح أفكار الإصلاح وبالقيام بأعمال تنافي ما تم النقد عليه، وحافزا للتقويم ودافعا للعمل، لا كما نرى اليوم أشباه مثقفين أو بضعة أشخاص يعتلون المنابر فقط للذم المرذول والشتم غير المقبول أو الشكوى المذلة أو الشتم الملفوظ أو الاتهام غير المغفور، أو تلقط سقطات الآخرين فقط كمبرر للنكوص أو التراجع أو السكون أو التدمير وعدم العمل، وأظنني أجد مثل هذه النوعيات قلّت أو كثرت على امتداد الهرم القيادي من أسفل الى أعلى أو العكس وفي كافة التنظيمات.

 

ضعف التواصل: يمكننا القول أن الثورة التونسية أو المصرية الحديثة انتصرت بإرادة الشباب وتصميمهم وفي ذلك الكثير من الحقيقة، وان وضعنا عامل القدرة والتخطيط ووضوح الهدف نكون اقترابنا من الواقع، وان قلنا أن الالتزام كان محركا، والفعل والجهد المبذول بدأب كان يمثل العامل الرابع فأننا لا يمكن ان نغفل ابدا ان العامل الخامس هنا هو حسن التواصل أو حسن استخدام الوسيلة.

إن التواصل في حركة فتح على إقراري بوجوده فهو ضعيف نسبيا، وعلى أهميته فهو يحتاج لجهد فكري وإداري رفيع يلزم المسؤول الأول أن يكون راعيا لرعيته كما يقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، ويكون في نهاره كما ليله لا يشغل فكره إلا خدمة شعبه ووطنه وحسن استخدام الوسيلة من متابعة واجتماعات دورية واتصالات هاتفية وشابكة (الانترنت) وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر التقرير الدوري ومن خلال الالتحام اليومي الذي يستشعر فيه الفرد والمواطن العادي أن ابن فتح في موقعه القيادي الميداني أو موقعه الوسيط أو المتقدم هو جزء لا يتجزأ من جسده وروحه ودمه.

ان حركة فتح بحاجة أكبر للنظر في عيون الكوادر والتفاعل مع ما يشغل فكرها، وتصوير ما يعتمل في قلبها وتجنيد أرواحها لنتقدم وننتصر.

 

نقص الثقافة والتثقيف: قلت في أكثر من محفل أن المثقف يحتاج ليكون كذلك لأن يعبر عن بيئته، ولكل بيئة وفئة ومجتمع ثقافتها، ولكي يتميز الكادر في فتح فلا مناص من الصعود لمنصة الثقافة عبر مركب القراءة، فمن لا يقرأ لا يتجدد كمن لا يستحم اذ تتراكم على جسده الأوساخ، كذلك المقلّ أو المفارق للكتاب الورقي أو الالكتروني حديثا حيث يتراكم على فكرة الصدأ من كل جانب ما لا يجلوه إلا القراءة ومن لا يقرأ لا يكتب.

إن التثقيف في الحركة حصانة و التثقيف في الحركة قوة للشخصية والتثقيف في الحركة ثقة بما نقول ونعمل فان لم اسعَ للتحصين واكتساب القوة والثقة من خلال التفاعل مع ثقافة الجمهور، وعبر الكتاب ومن خلال الممارسة فمن أين سأكون قيمة في التنظيم؟! ومن اين سأختط لنفسي مسلكا مميزا وكيف سأتماثل مع أقراني في آلية العمل بروح الفريق؟

ان التعبئة والتثقيف الداخلي في الحركة ليست مهمة لجنة التدريب فقط وإنما هي مهمة كل عضو نحو ذاته أولا ، فالنهر موجود والشربة لا تحتاج إلا لمن يغترفها ، وهي مهمة الإطار (خلية،شعبة،منطقة،إقليم) وكذلك في المكاتب الحركية، فحيث نهمل الفكرة وقيمتها والأخلاق وانعكاسها في سلوكنا وحيث نهمل الاحتكاك بالآخرين والاستفادة منهم تجتاحنا نوازع الأنانية وحب الذات والتقوقع والظن السيء.

 

الفردية وفقدان الإدارة المحكمة: إن مرض الفردية أو الشخصانية قد يصيب الكثيرين خاصة ممن يعشقون صورتهم، وبذلك يصبح سعيهم الأساس نحو تكريس هذه الصورة بحيث لا يرغبون أن يروا الى جانبهم إلا من يكيلون المديح لهم بحق ودون وجه حق ويتزلفون.

قد يبرع أمثال هؤلاء في أعمالهم ولكنها وان حققت نتائج إلا ان محركها الرئيس صورة الفرد ومكانته بحيث لا يرغب في رؤية الآخر المخالف أو حتى المتفق معه، فظهوره ألى جواره يصبح مجال مقارنة لا يرغب بها ( النرجسي) الفرداني الشخصاني.

ان العمل الفردي قد ينجز، وقطعا يحتاج التنظيم لمبادرات أفراده، ولكن العمل المثمروالأكبر تحقيقا للأهداف، وبزمن مرتبط بالخطة هو العمل الجماعي او العمل بروح الفريق من حيث أنه:

يخلق التقارب

ويحقق الترابط والتناغم

ويزيد الثقة المتبادلة

ويكرس الانتماء

ويحقق الانجازات

ويوفر الجهد والوقت والمال

وان كان هؤلاء الشخصانيين في حركة فتح وفي التنظيمات الأخرى قطعا يستبسلون لإبراز ذاتهم، ويخشون العمل الجماعي فان مهمة الكوادر في الأطر هو مزيد من العمل الجماعي والمنظم ومزيد من روح الفريق الذي يجعل مثل هؤلاء محاصرين وأسلوب إدارتهم منبوذ.

أما الإدارة المحكمة من حيث تطبيق عناصر الإدارة الستة المعروفة من تخطيط وتنظيم للجهود وتوجيه (قيادة واتصالات وتحفيز) وتشغيل ورقابة (ومحاسبة) وتنسيق فإنها وفي ظل تعدد مدارس الإدارة التنظيمية نجدها في حركة فتح ونحس بها وهذا متغير جيد، ولكنها صفة تحبو وفكرة تشق لها طريقا صعب للتطبيق في مختلف الأطر، وسبيل تتنازعه رغبات الرجال والارتجال والاتجاه نحو العشوائية وردود الفعل كبديل عن التخطيط والتوجيه والمتابعة.

إن الاتجاه نحو الإدارة التنظيمية بعناصرها يستدعي تغيرا فكريا أداريا، وتغييرا في الثقافة السائدة حيث لا يعقل وكل وسائل الاتصال الحديثة بين يدينا أن لا نقدر على بناء جسور التواصل والثقة والمحبة والمخالطة بيننا وبين أعضاء التنظيم؟ ولا يعقل أن نهمل الكادر ليبحث   عن متنفس آخر يجده في مساحات افتراضية متاحة عبر وسائط التواصل الاجتماعي وقد يجهد نفسه بما هوبلا طائل، وكان الأدعى أن نجذبه بنشاطات المناطق والأقاليم والنقابات والمؤسسات والمركز.

إن الإدارة الفتحوية يجب أن تكون هي الإدارة بالقدوة، وهي الإدارة بالعمل والانجاز، وهي الإدارة بالتعاون وهي الادارة بالالتزام، وهي الادارة بالجماهير، وبدون ذلك فاننا سنظل نعاني ونعاني ونتراجع ونتقهقر ونتساءل لماذا؟ ونحن نعرف الجواب.

ان كان على حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح كقيادة وكوادر متقدمة مآخذ فان آليات الحوار في الحركة مفتوحة ضمن كافة الأطر، وهي مكان الاستيعاب الأكبر لكل نقد هو ضروري، ولكل اقتراح هو واجب ولكل صاحب رأي يعتقد أن لديه ما يقوله وعليه ما يفعله.

  

فتح الفكر السياسي

استطاع الرئيس أبو مازن وحركة فتح أن يرسموا استراتيجية نضالية ارتكزت وفق ما عبر عنه المؤتمر السادس للحركة عام 2009 ومسار الأحداث السياسية وقرارات اللجنة المركزية والمجلس الثوري في اعتقادي على الأمور التالية:-

 

-1التمسك بالثوابت الفلسطينية:

وذلك وفق ما استقر عليه الإجماع الفلسطيني ممثلا بالدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين، ولحقت جميع الفصائل بحركة فتح بهذا المجال دلالة على قدرة الفكر الفتحوي الواقعي أن يفرض نفسه ويحقق إجماعا وتوحدا هو من شيمة الفتحويين.

 

-2الكفاح الجماهيري:

شددت الحركة على حقها بممارسة كافة أشكال النضال وفق ما أقرته الشرائع الدولية وبما فيها الكفاح المسلح، واختارت في المرحلة الراهنة الكفاح الجماهيري أو النضال الشعبي أو المقاومة السلمية كخط نضالي، يجب أن يتصاعد ليس فقط في نقاط المواجهة حيث يتواجد الجدار، وفي بعض القرى وإنما ان يتحول بفعل نضالي يومي متصاعد لا يقر للاحتلال بتواصل بغية وعدوانيته، ويشكل من الجماهير جدار حماية وطاقات نضالية، وفي هذا البعد فان حركة فتح مقصرة ومطلوب منها ومنا جميعا حجم ومساحة اكبر لهذا الفعل.

 

 -3تعزيز المواطنة والانتماء لفلسطين

ما بين الانتماءات التنظيمية لهذا الفصيل أو ذاك أقدم الرئيس أبومازن والسلطة الوطنية الفلسطينية على الفصل بين الانتماء التنظيمي وبين الوظائف في السلطة الوطنية الفلسطينية بشقيها المدني والعسكري، وعليه أضحت التعبئة والرسالة الداخلية في مختلف المؤسسات والوزارات والأجهزة رسالة وطنية فلسطينية لا تميز بين المنتمي لهذا الفصيل أو ذاك.

ورغم أن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح هي حركة الشعب الا أنها لم تدعي يوما أنها تمثل حصريا الشعب الفلسطيني، أو تمثل حصريا الإسلام (كما يدعي الآخرون) أو تمثل حصريا العمق العروبي الإسلامي الحضاري لذلك كان مسارها مرتبط بالإطار الجبهوي التآلفي التوافقي ممثلا بمنظمة التحرير الفلسطينية ولاحقا ما حصل في إطار السلطة الوطنية الفلسطينية.

تتميز حركة (فتح) في أن أول حرف من اختصار اسمها هو حرف الفاء المأخوذ من كلمة فلسطين، وقسمها ليس قسم الإخلاص لحركة فتح وإنما قسم الإخلاص لفلسطين، ويتوسط شعار العاصفة فيها خريطة فلسطين الكاملة، وهي لم تشعر في يوم من الأيام أنها متمايزة عن جماهيرها فلم تفرق بينهم في الرعاية والدعم والمساعدات والاحترام.

 

4-الديمقراطية والوحدة الوطنية والشراكة

الديمقراطية تمثل حياة في حركة فتح ،عكستها في المجتمع اذ يشعر الفلسطيني بحريته في ظل وجود حركة فتح الضامن لاستقرار وحرية الفرد والمجتمع كما أفادنى أكثر من أخ مستقل مشبها حركة فتح بعامود الخيمة أو أساس البناء أوالعمود الفقري للثورة الفلسطينية......

ولأن الديمقراطية ليست صندوق انتخابات فقط بل فكرة وثقافة وممارسة تنعكس في البيت والحزب والبلد ارتفع صوت الفتحويين عاليا بالنقد الصادق والحوار وتعزيز المسار، فلم يتركوا مثلبه أو إساءة أو فسادا عاما أو خاصا إلا فضحوه بادئين بأنفسهم وملحقين الآخرين بهم، فالمؤمن لا يكون كذابا أبدا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ولا طعانا ولا لعانا ولا شتاما وإنما ناقدا باحترام وضمن القوانين.

وإذا كانت آية المنافق تتمثل في أنه : إذا حدّث كذب وإذا وعد اخلف وإذ اؤتمن خان وإذا خاصم فجر كما يروى في الحديث الشريف فان الحركة العملاقة لم يؤثر عنها في تاريخها إلا تطبيقها الأمين لهذا الحديث الشريف، لذا كانت مساحة الديمقراطية تتعزز، لأنها تعري وتفضح من يكذب ويخون ويخلف ويفجر.

وإذ استطاعت الحركة أن تعكس الديمقراطية في علاقاتها الداخلية والخارجية وفق مقولة الرئيس الشهيد الخالد ياسر عرفات أنها (ديمقراطية غابة البنادق) فان حماس كمثال لم تلتزم بهذا المبدأ ونقضته علنا عبر حربها على الشعب الفلسطيني في غزة من خلال الانقلاب الأسود عام 2007 حبا بالسلطة وسعيا لها ،الذي أودى بأكثر من ألف شهيد، لم يسبقها لمثل هذا الفعل الا نظام الاستبداد والظلمات عام 1993ومع ذلك فان فكر الوحدة الوطنية هو فكر فتح التي قادت والفصائل الوطنية عامة وفي الانتفاضة الأولى ثم الانتفاضة الثانية وصبرت على تفرد حماس بفعالياتها ونشاطاتها وانشقاقها على القيادة الوطنية الموحدة إلى إن جاء اليوم الذي يجلس فيه خالد مشعل إلى جانب الرئيس أبو مازن مقرّا بالخط الواقعي لحركة فتح ولمنظمة التحرير الفلسطينية، والى أن جاء اليوم الذي يعترف به موسى أبومرزق علنا أنهم في حماس كانوا ينظرون للمنظمة أنها الآخر، رغم وجود الكثير مما يوحد على حد تعبيره.

إن الوحدة الوطنية لدى حركة فتح مفتاح رفض القداسة أو العصمة التي يدعيها بعض التنظيمات اليوم سواء العصمة الوطنية أو الدينية، وهي مفتاح قبول الآخر لا استبعاده أو النظر له كنقيض إن لم يكن كعدو يجب إقصاؤه كما المح أبو مرزوق مؤخرا.

إن الشراكة في صلب فكر فتح المستنير والرحب الذي يتقبل ويتفهم ويتجاور ويتحاور مع الآخر بكل محبة وكل تقدير وكل احترام، وهاجسه الأساس كما كان يردد الشهيد القائد صلاح خلف (أبو اياد) ولم يملّ من التكرار(أنني أخالفك بالرأي ولكنني أقاتل دفاعا عن حقك بإبداء الرأي). وما مآل الأمور مؤخرا عبر المصالحة الوطنية إلا تكريسا حقيقيا لفكر حركة فتح السياسي في الديمقراطية والتعددية والوحدة الوطنية والشراكة السياسية.

 

5-العمق الحضاري العروبي الإسلامي:

جهد المخالفون بأن يضللوا الشعب الفلسطيني ويصموا حركة فتح بأنها حركة كافرة أو علمانية (بمفهوم أن العلمانية كفر) ، وما زال هناك فئة غير قليلة تحمل هذه الفكرة الملغومة، والتي هي امتداد لاتهامات تشويهية تبرز عند  كل مفصل أو في الانتخابات حاليا، وما هي اتهامات باعتقادي صادرة عن عقلاء أو مؤمنين وإنما عن حاقدين اقصائيين لا يرون إلا أنفسهم ، إذ يفجرون بالخصومة ويتطاولون على الآخرين وعلى فتح ويستعلون عليها في سياق فهم مضطرب يدعي قداسة (الولاء والبراء والاستعلاء).

إن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح هي التيار العام الذي يضم كل مكونات وفئات وأفكار الشعب الفلسطيني من أولئك الذين خلعوا رداء الحزبية المتعصبة وانضموا لقافلة التحرير ، لذا فحركة فتح هي حركة هذا الشعب المنتمي قطعا لبيئته ولمحيطه ولحضارته، وأنى له أن يخرج من عباءته هذه؟ وكيف له أن يتناقض مع مكوناته الذاتية؟ وهي تلك المنفتحة على الحضارات دون تعصب أو تأزيم أو تحيز.

إن الحضارة العربية الإسلامية المنفتحة، وبالامتدادات المسيحية الشرقية هي حضارة هذه المنطقة وهي تشكل أبرز مكونات ثقافة هذا الشعب وهي خيار حركة فتح منذ البداية حتى اليوم، وما كان اسم (فتح) إلا استلها ما للفتح المبين لا الحتف والانتحار والدمار.

إن قدرة حركة فتح على احتواء التيارات الفكرية الثلاثة في حضنها في مرحلة سابقة إنما كان دلالة الرحابة والتكرس لفلسطين كما هي الدلالة على العمق الحضاري الملتزم بالأصالة والمنفتح على الحداثة.

ان حركة فتح فكر الوسطية وفكر الاعتدال المجتمعي فلم تكن يوما تنظيم متهاونين في القيم أو الأخلاق أو الدين، كما لم تكن تنظيم متشددين مذعورين من رائحة الورد القادمة من الآخر، انها تنظيم الحداثة والأصالة حيث التجاور والتحاور والاغناء. 

لم يكن الإسلام في يوم من الأيام مشكلة أو عائق أو يمثل فجوة في الحركة، وإنما كان واستمر وسيظل دينا حنيفا لا يستطيع أي احد أن يمسه بسوء أو يقصيه عن التأثير في الجماهير، وذلك لان للإسلام الدور الفاعل في رسم الشخوص وتشكيل الثقافات وبناء الحضارة العربية الإسلامية.

إن محاولة إيجاد تناقض للإسلام مع حركة فتح إنما هو لعب بالنار وشق للشعب، ويأتي في سياق ادعاء بعض التنظيمات أنها هي وكيل الله على الأرض، أو أنها والقداسة صنوان، أوان فكرها فقط هو المعبر عن الله والإسلام والدين، أو أنها حيث تلتف فإنها تحتكر (الإسلامية) ما لا يجوز قبوله وفي ذلك يقول الشيخ عبد الرحمان الكواكبي ( لا يوجد في الإسلامية نفوذ ديني مطلقا في غير مسالة إقامة شعائر الدين، ومنها القواعد العامة التشريعية...).

فالرأي عامة هو فكر أنساني سواء أكان هذا الفكر سياسي أم اقتصادي أم مجتمعي أو غيره، ولذا فهو قابل للخطأ والصواب، والإسلام (أوالأديان عامة) غير قابل للخطأ والصواب، لذلك قالوا إن مصطلح (الإسلام السياسي) مصطلح خاطئ فالإسلام ثابت ومطلق والسياسي نسبي، والإسلام لا يخطئ والسياسي يخطئ ويصيب، ومن هنا وقع التحديد إن (الأمور) الإنسانية عامة والشؤون البشرية هي في موقع النظر الفكري الإنساني المرتبط ثقافة وحضارة بفكرنا الوسطي المعتدل الفكر العروبي الإسلامي قطعا وهو الفكرالمنفتح على الحضارات الأخرى دون استغلال للدين أو تمسحا به.

إن (التدين) وحجم (الإيمان) ونطاق (إسلامية) (أو مسيحية) الشخص أو ما يحمله من أفكار لا يصح الحكم عليه بشريا، فالله سبحانه وتعالى هو الحكم فحيث لا يقاس إيمان المرء وتدينه بالمقياس الدنيوي لان الله هو الحكم يوم القيامة لذا لا يجوز أن يدعي أي كان وكالته عن الله سبحانه وتعالى والذي هو اقرب لأي منا من حبل الوريد كما يأتي في القران الكريم.

إن الرأي السياسي والمجتمعي والاقتصادي أو أي رأي في شؤون الناس لا يحق لأحد أن يدعي انه يمثله أو ينطق به نيابة عن الله، وإنما عن نفسه أو تنظيمه كي لا نقع في منطقة القداسة أو الكهنوت التي توهم الناس أن هذا الشخص (أو الفصيل) أو ذاك هو وحده الذي يعبر عن الحق لأنه يطلق لحيته أو يصلي في المسجد أو على جينه زبيبة الصلاة.

إن الفكر الفتحوي فكر الشعب الفلسطيني فكر الثورة الفلسطينية ، هو المستمد والمستلهم من بيئتنا وتفاعلاتها أي من حضارة الشعب والأمة، الحضارة العربية الإسلامية وتجارب الشعوب ، لذا فلتحبط دعوات أو تخرصات من يحاولون اتهام الحركة بالاتهامات الباطلة وكأنها أو غيرها من الفصائل على طرفي نقيض من الله سبحانه وتعالى أو الإسلام أو التدين.

 

6-المؤسساتية والدولة المدينة.

إن المؤسساتية عقل إداري منفتح وفكرة تستمد قبولها من أن الكل هو القادر على البناء، وان الفرد جزء من الكل، ولذلك فان النظام أو المؤسسة لا تبني على عقل الاستبداد (الديكتاتورية) المرتبطة بشخص لوحده.

يقول الشيخ عبد الرحمان الكواكبي ( الاستبداد أعظم بلاء لانه جدب مستمر بتعطيل الأعمال ، وحريق متواصل بالسلب والغصب، وسيل جارف للعمران وخوف يقطع القلوب وظلام يعمي الأبصار)

وان كان حديث الكواكبي عن الاستبداد الديني والسياسي فهو يصح في أي مجال وفي أي حزب أو مؤسسة ما نرفضه فتحويا ونسجل انتصارنا عليه من خلال عقلية المؤسسة والعمل  الجماعي أو العمل بروح الفريق، ولذلك صيغت الهياكل التنظيمية ليستطيع من خلالها ووفق النظام الداخلي أن يعبر كل كادر أو فرد عن ذاته وفكرته ضمن فكر الحركة، وعن مقترحاته ونشاطاته وأعماله كل في إطاره وكل في منظمته الحركية التنظيمية أو النقابية.

إن عقلية المؤسسة في الحكم وفي التنظيم وفي البيت وفي الدولة هي نقيض الاستبداد أو الذي يقول عنه أيضا الشيخ الكواكبي انه ( ما من مستبد سياسي إلى الآن إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله أو تعطيه مقام ذي علاقة مع الله....).

 

حركة فتح والفكر التنظيمي

إن الفكر التنظيمي لحركة فتح ينعقد له اللواء بالتعانق ما بين فكرة التحرير والهياكل التنظيمية ومقومات الأداء، حيث يتحقق الرابط الوثيق بين الإيمان بالفكرة والمسارب أو المسارات التي عبرها يتم تمثيل وتكريس وتحقيق الانتماء والالتزام ما يعبّر عنه بالهياكل التنظيمية من القاعدة إلى القمة التي تمارس العمل أو القيام بالمهمة أو الأداء.

إن مهمة الكادر وواجبه يحدده النظام الداخلي بوضوح لكل إطار، وبلا عمل لا يوجد تنظيم إذ أن العمل هو مكمل خماسي التعريف للمنظمة أو التنظيم (الفكرة، أعضاء، هياكل، نظام، عمل مشترك)، وكما أوضحنا أن فتح تنظيم العمل الدائم المرتبط بالفكرة والقضية والناس.

إن آليات العمل ضمن الهيكل هي محقق الفكرة وقناة الأداء وسبيل التواصل عبر الاجتماعات والتقارير والمؤتمرات.

لذلك فإنه يصح أن نقول أن الفكر التنظيمي يستند للمفاهيم التالية:

 

 1-الإيمان العميق بفلسطين جامع لنا، وبفكرة التحرير، وضرورة النضال بكافة الأشكال ابتداء من الكفاح المسلح وحرب الشعب إلى إبداعات الفلسطينيين بالانتفاضات والكفاح أو المقاومة الشعبية.

 وكما ينص النظام الداخلي فإن الانتماء والالتزام بالفكرة والأهداف والمنطلقات وتواصل العمل، والسرية فيما هو محظور ومرتبط بالوقت والمهمة والشخوص، إلى جانب علنية الأفكار والسياسات والرؤى ثم النقد والنقد الذاتي تشكل ركنا رئيسا في الفكر التنظيمي للحركة.

 

1-الخطاب الحضاري المستمد من بيئتنا ومحيطنا وكياننا وامتدادنا العروبي الإسلامي، فحركة فتح بكادر تنظيمها المسلم أو المسيحي المؤمن بالله وبقدرته على العطاء هو من صلب هذه الحضارة وهذه الثقافة مهما تعدد عنده الرأي لأن الرأي مكون شخصي إنساني قابل للأخذ والرد وللخطأ والصواب ما ينزع أي مفاهيم ظلامية بقداسة أو مطلقية الرأي الذي يجب أن ينضبط للفكرة والأطر.

إن حركة فتح فرسان العقل في الحضارة العربية الإسلامية بعطاء دائم وحضاري ومنفتح على كل تجارب الشعوب، وباحترام شديد لكل الإسهامات المسيحية والإسلامية في أتون هذه الحضارة، وكذلك بالنهل من الحضارات الأخرى ضمن الانفتاح والوسطية والاعتدال الذي تمثله حركة الشعب الفلسطيني.

 

 

1-إن الإبداع في صلب التنظيم: يرفض ورقة النعي أو السوداوية أو البكاء و اللطم، وإن كان الإبداع يرحب بالنقد وفق أرضية الإصلاح والتطوير والتقدم، وفي ذلك دوما تكون البداية من عندي (عندك) ، حيث لا يقبل الفكر التنظيمي الفتحوي مفهوم علاقة الملابس (الشماعة) سواء كانت متمثلة بالقيادة أو بالنظر أحادي الزاوية للسلبيات والإخفاقات.

إن كل إخفاق أو سلبية يجب أن تنقد و تقابل بفعل إيجابي، وكل تراجع أو أزمة يجب أن تكون دافعا وحافزا للمراجعة والاستفادة لتشكيل دفعة للأمام وليس إلى حافة الهاوية.

إن الإبداع سياق فعل متصل، وأفكار وخطط لا تنضب فإن تكون فتحاويا فأنت صاحب الإلهام للآخرين ، ومدرسة الإقدام والشجاعة، ورمز الانجاز قبل أن تتصدى للآخرين بشجاعة أيضا مشيرا إلى سلبياتهم أو مساوئهم.

 

1-التواصل التنظيمي : لم تعد الفكرة وحدها والإيمان بها والتعبئة باتجاهها هي عامل الاستقطاب أوالحفاظ على العضو، ولم تعد النشاطات هي المحفز الوحيد للأداء حيث أن الاتصالات بأشكالها المختلفة في السياق الرأسي والأفقي، والشفوي منها والكتابي، الفردي منها والجماعي والجماهيري كلها تشكل حقيقة التعاون والتنسيق والتساند.

إن دخول العالم في عصر الفضاء والشابكة (الانترنت) ولغة التواصل الاجتماعي أصبح يوجب على كادر الحركة أن يقود هذه الوسائل بما ترسمه الحركة من سياسات ورؤى وخطط، ولكن ذلك على أهميته ما ثبت بالثورات العربية الحديثة فانه لا غنى أبدا عن الاجتماع التنظيمي واللقاءات التنظيمية المهرجانات الجماهيرية والمؤتمرات، في آليات متابعة يومية ودورية تجعل من التواصل قنطرة توحيد الأفكار ومكان التنفيس كما طلب البعض، ومساحة تصارع أو تقابل الآراء واتخاذ القرارات أو التوصيات وتحقيق المحاسبة، وحيث يجب أن يكون عامل التوافق هو محركنا في ذلك.

إن الإدارة الحكيمة أو الرشيدة في التنظيم تجعل من التواصل التنظيمي مدخلا لتحقيق الخطط والبرامج عبر تنظيم الجهود وتوجيهها وقيادتها والمحاسبة عليها.

 

1-الارتباط مع الناس: إن فتح لم تقبل أن تكون حركة الطليعة أو النخبة المنفصلة ، أو الصفوة المنقطعة عن الناس أبدا فمزجت بين طليعية كوادرها، وجماهيرية تطلعاتها وعلاقاتها مع الناس بالمحبة والاعتماد والتعلم من الجماهير وتحسس شؤونها وحاجاتها ودوام الاقتراب والتواصل معها، فحركتنا كالسمكة التي تعيش بين الجماهير، متى ما انقطعت عن العوم في هذا البحر تلاشت وانتهت.

إن حركة فتح الجماهير محبة غامرة، وفعل خدمة لا تنضب لمصلحة الناس ، مادة الثورة، ومعينها، فلا يجوز في الحركة أن نترفع عن الجماهير وندعي العلم أو القداسة أو المعرفة أو النزاهة أو الاستعلاء كما هو شأن تنظيمات أخرى تضع بينها والجماهير حاجزا نفسيا أو دينيا بادعاء عصمتها أو فوقيتها ما هو في حقيقته سقوط للفكرة والقائد التنظيمي معا.

إن الجماهير هي مقياس النجاح أو الفشل، ومهما كانت الأفكار عظيمة فإنها تظل حبيسة العقل أو الأدراج أو الأوراق أو الشابكة (الانترنت) إن لم تعتنقها الجماهير وتجعل منها كائنا حيا يرزق.

 

1-الإيجابية والمؤسسية: إن حركة فتح لم تكن يوما من أولئك الذين يردحون أو يدعون المظلومية التاريخية أو البكائين على أمجاد غابرة، أو من مستدعيي التاريخ لينقذهم، لأن فكر العمل والانجاز يعيش بالعقلية الإيجابية، والعقلية الإيجابية تظهر بالمنعطفات الصعبة ،في المآسي وفي الضائقة والأزمات فتتغلب عليها بآليات حل الأزمات وبالاستفادة من التجارب وبدفع العربة إلى الأمام.

إن قاعدة البكاء واللطم والسلبية ليست من شيم الرجال أو النساء في حركتنا، لأن مشعل الانتصار يسير في فضاء عقلية الإنجاز والتطور والتدفق الحر إلى الأمام.

إن الايجابية والإبداع والالتزام والارتباط مع الناس والتواصل التنظيمي مع فكر التحرر الوطني كلها من مقومات المؤسسة التي تشكل فيها الإدارة الحكيمة فرضا لازما وليس سنة، ومن هنا فان القائد الحقيقي هو الذي يشيع المناخ الايجابي الحافز تحت إدارته أو قيادته، وهو القادر على دفع الآخرين للتحرق شوقا لتنفيذ واجباته، وحيث أن البداية دوما من عندي (عندك) عند أي عضو أو كادر فإن المسؤولية تكبر بكبر الموقع حيث لا يجوز أن نلقي اللوم على الأعضاء أو الكوادر في ظل تقاعس أو خذلان أو ضعف القائد.

إن عقلية المؤسسة وإيجابية التفكير والمناخ الحافز هما من أركان البعث التنظيمي، والنهضوية في حركة فتح حيث لا يصح أبدا الاستناد إلى حوائط غير ثابتة، وإنما إلى الفريق الذي يسند بعضه بعضا من خلال توزيع الأدوار والمهمات والواجبات.

إن حركة فتح هي حركة المستقبل وهي ضمانة الثورة والمجتمع وهي حركة الجهود المجدولة باتجاه فلسطين وهي حركة تكريس الأسس التنظيمية والإدارية والسياسية في سياق أركان معادلة التقدم الثلاثة حيث العمل مرتكز وحيث العمل عمود الخيمة وسارية السفينة، وهو العمل المرتبط بالإيمان بالله والفكرة والقدرة على تحقيق الأهداف ثانيا، وليكون التناغم والتناسق العمود الثالث أو الركن الثالث لتنظيم مقدام، لن يهزم، قادر على التطوير والإبداع والتغيير ما هو في حقيقته قدرة على الحياة.