أسرانا البواسل من النساء و الرجال , من الأطفال و الكهول , من العسكريين و الميدانيين إلى النواب المنتخبين , من أقدم سجين إلى أحدث سجين , لكم ألف تحية و لكم ألف سلام .

منذ انطلقت الحركة الوطنية الأسيرة فقد انقلبت معادلة الاحتلال الإسرائيلي رأسا على عقب , و فوجئ جنرالات الاحتلال العسكريين و الأمنيين كما فوجئ الاختصاصين في علم النفس و علم الاجتماع بخسران مهين في صراعهم مع الحركة الفلسطيني الأسيرة , لماذا ؟؟؟ لأن فلسفة الاحتلال انطلقت في الأساس من فكرة عنصرية خبيثة بأن يصبح الأسير الفلسطيني , الذي هو في الأصل أسير حرب , و أسير حرية و استقلال , عبئا على نفسه أولا , و عبئا على أهله و على شعبه بعد ذلك !!! و لكن صمود و بطولة و عبقرية أسرانا حطمت هذه الفلسفة  الإسرائيلية العنصرية الإجرامية , و قلبت المعادلة رأسا على عقب , لأن أسرانا البواسل اعتبروا أن زنازين السجون الخانقة , و العنابر المكتظة , و ساحات السجون التي تعتليها الأبراج المدججة , و إجراءات السجون و قوانينها البائدة التي يرجع بعضها إلى زمن الانتداب البريطاني !!! اعتبرت كل ذلك جبهة قتال و ساحة نضال تتصادم فيها الإرادة الفلسطينية مع المخطط الإسرائيلي العنصري !!!  

و بناء على ذلك ابتدع أسرانا صيغ للعمل الجماعي , و الاعتماد على الذات , و تنمية قدرات و خبرات هذا الأسير لكي يصبح مؤهلا للمهمة التي كلف نفسه بها , و هي مهمة استدامت النضال و استدامت الاشتباك .

أليسوا هم أسرانا البواسل الذين كانوا المكون الرئيسي من مكونات الانتفاضة الأولى و روحها العبقرية , و المفجر الرئيسي من مفجرات الانتفاضة الثانية ؟؟؟

أليسوا هم الذين ابتدعوا أساليب النضال و التواصل مع شعبهم و ثورتهم و قضيتهم و هم في غياهب السجون ؟؟؟ و ابتدعوا أرقى وسائل العمل الجماعي , ابتداء من التعميم الذي يصل إلى كافة السجون , وصولا إلى مهمات تنظيمية , و نشاطات أمنية , و محاكمات لبعض حالات السقوط , و تخطيط و إدارة الإضرابات المنظمة طويلة المدى, و الأخذ بيد من يلزمهم في مجال التعليم و التثقيف الوطني و الثوري ؟؟؟ تصوروا , السجون أرادها الاحتلال أن تصبح مقابر إنسانية , فحولتها الحركة الفلسطينية الأسيرة بسواعد مناضيلها إلى جامعات للعلم, و معسكرات للتدريب , و اختبارات و إنبثاقات للإبداع الفردي و الجماعي .

من خلال هذا التراكم المذهل , تحولت قضية الأسرى بجدارة خارقة إلى قضية إجماع وطني شامل بامتياز , و تحولت إلى بند رئيسي من بنود الأجندة الوطنية !!!

و بسبب هذا التراكم النضالي الهائل سمع العالم كله الرئيس أبو مازن و هو يتحدث من فوق منصة الجمعية العامة في دورتها السادسة و الستين عن الأسرى الفلسطينيين باعتبارهم أسرى حرب و باعتبارهم بندا رئيسيا من بنود الأجندة الوطنية !!!

و بسبب ذلك تأخذ قضية الأسرى مكانها في اجتماع خصص لهم خلال يومين, و في دورة لمجلس الأمن الدولي خصصت لهم خلال أيام, كما سطع حضورهم في كافة الإطارات الدولية المختصة .

و الأهم من كل ذلك أن قضية الأسرى تأخذ مكانها اللائق في نسيج حياتنا الوطنية , فها هم الأسرى يبدءون معركة الأمعاء الخاوية, موجات وراء موجات , و عشرات يصبحون مئات فيصبحون ألافا, و معهم كل شعبهم في الوطن و في الشتات في موجات تضامنية متنوعة , لن تقتصر على وقفات تضامنية أمام المقرات الدولية , بل تتغلغل إلى ما هو أعمق , إلى الوقوف مع عائلاتهم , فإن صمود عائلة الأسير هي جزء عضوي من صموده !!! و إلى شجاعة التوجهات السياسية في علاقاتنا الداخلية, فليس معقولا أن يتعرض أسرانا إلى كل ما يتعرضون له من هذا السلوك الإسرائيلي الشاذ , و يخوضون المعركة معا , فنعاقبهم بأن نظل منقسمين !!! يال الكارثة !!! إن صدق وقوفنا معهم يحتم علينا بإلحاح مغادرة عنان الانقسام إلى عنوان المصالحة الوطنية .

من ظلام السجون, و عتمة الزنازين, يولد النهار المشرق , و يولد النور المبصر, و يولد الأمل الذي لا يموت .

شكرا لكم يا أسرانا البواسل , مهما قدمنا لكم , فلن نعطيكم ما تستحقون , شكرا لكم , فوق وجه إسمنت جدران السجون , و رطوبة غرف العزل الانفرادي , و أقبية التحقيق, تكتبون بأظافركم و شرايينكم أنشودة الميلاد البهي !!!

أنتم على حق ،

و لولا أنكم على حق لما كنتم هنا, و لولا أن عدوكم الاحتلال الإسرائيلي البغيض على باطل ما كنتم هنا , شكرا لكم لأنكم أعطيتمونا من وهج روحكم القوية القدرة على أن نفلق الليل لينبلج النهار, و القدرة على أن نهزم اليأس ليولد الانتصار .