كشف الكونغرس الأميركي عن أنيابه ضد شعبنا الفلسطيني وضد كل من يساند أو يدعم نضال هذا الشعب من أجل الحرية والكرامة والاستقلال، ولم يتوان هذا المجلس الذي يدعي دفاعه عن الديمقراطية والعدالة والحقوق الفردية والجماعية وعن حمايته للحضارة وتجلياتها كالدولة الحارسة والرحيمة ومنح الحقوق وتداول السلطة وحرية المجتمع المدني وحرية التعبير والحركة والامتلاك، إلخ.

هذا المجلس الذي يدعي أنه بلغ ذروة الحضارة البشرية على المستوى المادي والمعنوي وأنه يمثل الجانب المضيء من التاريخ، يقف بكل قوته وكل اجماعه ضد شعب صغير وفقير ومحاصر منذ أكثر من مئة عام تقريبًا، شعب لا يطلب من الأسرة الدولية سوى أن يعيش حراً وكريماً وسيداً على أرضه وأرض أجداده، ولكن الكونغرس الأميركي الذي يضم عدة مئات من الأعضاء الذين يمثلون الثروة والايدلوجيا والمصالح لنظام رأسمالي بلغ حد التخمة وسعار الجشع، يعرفون كيف ومتى وأين يتجهون، ويعرفون الكيفية والثمن الذي قدموه وسيقدموه من أجل الاحتفاظ بمقاعدهم في المجلس.

هذا المجلس يعلن عداءه واستعداءه للشعب الفلسطيني بشكل لم يسبق له مثيل منذ الثامن من أكتوبر وحتى يومنا هذا، ونحن نفهم هذا العداء وهذا الاستعداء، ذلك أن المافيات وقوى المصالح وجماعات الضغط واللوبيات المتعددة الألوان والأغراض والاهداف العلنية منها والسرية تستطيع أن تجند ما تريد من أعضاء لاتخاذ ما تريد من قرارات، ومن الواضح أن النظام الديمقراطي الأميركي مصمّمٌ أصلاً للسماح لكل تلك القوى واللوبيات للتأثير أو التأجير أو الشراء، وكان ما جرى من صراع مرير بين المرشح الديمقراطي جمال بومان وغريمه الحزبي لاتيمر عن ولاية نيويورك خير مثال على ما نقول، حيث أنفقت أيباك أكثر من 25 مليون دولار من أجل شيطنة بومان، بحث كان الناخب يتعرض يوميًا لأكثر من ستة اعلانات هجومية مما خلق انطباعاً عن بومان أنه فرد معيب ومرشح غير جدير، حيث قال أحد المراقبين أن والدة بومان لو رأت هذه الاعلانات لما انتخبت ابنها.

ما جرى في ولاية نيويورك صورة مصغرة مبالغ فيها جدًا لكيفية انتخابات أعضاء الكونغرس بغرفتيه، وهو ما يدفع إلى القول أن قوة وقدرة وسيطرة اللوبيات المتعددة من أجل السيطرة على القرار الأميركي فيما يتعلق بالقرارات ذات العلاقة تكاد تكون بلا حدود، نقول ذلك لنخلص إلى القول أن ما تدعيه الولايات المتحدة من ديمقراطية وليبرالية إنما هي مدفوعة الأجر ومجندة للأجندات وتخضع للمصالح ولا علاقة لها بكل ما تضخه علينا من أكاذيب، وانتخابات هذا العام خير دليل على ذلك، عندما يتنافس فيها شخصان أحدهما مدان بجرائم جنائية والآخر مشكوك في قواه العقلية و يتنافسان على الولاء لإسرائيل دون أن يرف لهما جفن، وكأن الولاء لإسرائيل أهم من الولاء لأميركا.

نقول هذا الكلام بمناسبة تصويت مجلس النواب الأميركي بأغلبية 269 صوتاً مقابل 144 صوتاً على تعديل يحظر على وزارة الخارجية الأميركية الاستشهاد بإحصاءات عن عدد الشهداء والجرحى الفلسطينيين الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.

ومعنى هذا التصويت أن مجلس النواب الأميركي لا يعترف بالإبادة الجماعية ولا يريد أن يرى ما يجري في قطاع غزة ولا يصدق ما يجري أصلاً وبالتالي يعطي إسرائيل كل ما تريد وقت وذخائر وتغطية سياسية وأمنية وأخلاقية. هذا القرار يضاف إلى قرارات أخرى اتخذت من قبل هذا المجلس ضد شعار "من النهر إلى البحر – فلسطين ستتحرر" وكذلك قرار ضد رؤساء الجامعات الذين لم يمنعوا المظاهرات في جامعاتهم، وكذلك القرار المتعلق بإجبار الرئيس الأميركي على إعطاء اسرائيل ما تريد من ذخائر دون تأخير.

واتخذ مجلس النواب الأميركي قراراً بعدم الاعتراف بالضحية الفلسطينية وعدم تصديقها أيضًا والاكتفاء برواية المحتل، إنما يدلل للمرة الألف أن الولايات المتحدة تفشل في معظم سياساتها التي لا تهدف من ورائها سوى تأمين مصالحها وحماية حلفائها ونهب ثروات الشعوب دون التفات إلى ما تدعيه من شعارات براقة لا تصمد أمام أول اختبار.