بعض القادة السياسيين يقعوا في شر أعمالهم وأقوالهم، وتداعيات سياساتهم المتسرعة وغير المدروسة، والتي تنقلب عليهم وعلى ما يمثلوا سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وأمنيًا، فيحصدون العلقم، ومن هؤلاء وفق معطيات الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية الأحد 30 يونيو الماضي، والتي كان قرر اجراءها الرئيس ايمانويل ماكرون في اعقاب صعود اليمين الفرنسي والأوروبي عمومًا في انتخابات البرلمان الأوروبي، التي جرت ما بين 6 و9 يونيو الماضي، فبادر مباشرة بحل الجمعية الوطنية، والدعوة لانتخابات مبكرة في 30 يونيو و7 يوليو، ولم تكن نتائج الجولة الأولى مفاجئة لأحد. لا سيما وان كل استطلاعات الرأي الفرنسية والأوروبية كانت تشير إلى ما أفرزته صناديق الانتخابات، وبالضرورة جاءت مخيبة لآمال ائتلاف "معًا" الذي يقوده رئيس الجمهورية وحصل على ما نسبته 20.76% فقط، ولصالح صعود اليمين المتطرف الذي حصد 33,4% من الأصوات، وتلته الجبهة الشعبية المتجددة المكونة من قوى اليسار الفرنسي وحازت على نسبة 27,99% من مجموع الأصوات. 
ومن الواضح أن نتائج الانتخابات في الجولة الأولى جاءت انعكاسًا لفقدان ثقة الشارع في الرئيس الفرنسي وسياساته الاقتصادية والمالية والسياسية، رغم أنه وفق ما ذكره أحد الأصدقاء، حاول تقمص دور الزعيم الفرنسي التاريخي ديغول، لكن شتان ما بين الثرى والثريا، فديغول سعى دومًا لإبعاد شبح الهيمنة الأميركية عن فرنسا، وأوجد مسافة بين بلاده وسياسات اليانكي الأميركي، في حين أن الرئيس الحالي يعتبر صدى صوت لسياسات الإدارات الأميركية، وجزءً من حلفائها في الاتحاد الأوروبي، لا بل أن ساكن الاليزيه يعمل عن سابق تصميم وإصرار على تشويه مكانة ديغول ورصيده التاريخي كمحرر لفرنسا من النازية الألمانية والفاشية الإيطالية.

 
بالنتيجة مؤشرات الجولة الأولى تشي، بأن ائتلاف ماكرون يتجه نحو الانهيار والتفكك. لاسيما وأنه لا يرتكز على قاعدة أيديولوجية واضحة المعالم، وهو ائتلاف طارئ، وبقائه مرهون ببقاء شخص الرئيس الفرنسي، أسوة بأحزاب الرؤساء في دول العالم الثالث. مع ذلك يفترض بعض المختصين بالسياسة الفرنسية، بأن حاكم الاليزيه سعى عن سابق تصميم وإصرار لخلط الأوراق في المشهد الفرنسي، بعد تضعضع ائتلافه قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها، ويريد إقامة تحالف مع اليمين المتطرف بقيادة الشاب جوردان بارديلا، الذي على ما يبدو سيتمكن من الجلوس على كرسي الحكومة القادمة، خاصة وأن المؤشرات تمنح ائتلافه نسبة تصل إلى نحو 38% من مجموع الناخبين ومجموع مقاعد 280 نائبًا في الجمعية الوطنية. لاسيما أن القواسم المشتركة مقبولة في الحقلين السياسي والاقتصادي وعلى المستويين الداخلي والإقليمي والدولي، كما ان صعود بارديلا يتلازم مع إمكانية صعود ترامب اليميني المتطرف لسدة الحكم في البيت الأبيض، وقد يكون زعيم اليمين المتطرف ورقة قوية بيد ماكرون تعزز من علاقاته مع الرئيس الجمهوري المرشح للفوز، ان لم يحدث طارئ.
مؤكد أن الحكم الفرنسي بعد 7 يوليو لن يكون هو ذاته، بل سيكون مختلفًا عما كان عليه سابقًا، حيث سيضطر الرئيس الفرنسي لقيادة حكومة يمينية، ليست بعيدة كثيرًا عن ميوله وتوجهاته، وإن كانت بين تحالف ماكرون واليمن المتطرف تباينات وخلافات على أكثر من مستوى وصعيد، لكن كما ذكرت، هناك أهدافًا مشتركة، منها محاصرة اليسار، وتشديد الخناق علبه، والحؤول دون توسيع نفوذه، لأنه هو من يمثل التهديد الحقيقي على الحكومات والأنظمة السياسية الرأسمالية، وليس اليمين المتطرف، الذي يسعى جاهدا لتغيير جلده بما لا يحمله تبعات الحرب العالمية الثانية، وخاصة فواجع وخطايا النازية الألمانية والفاشية الإيطالية، لهذا يعلن اقطابه الأوروبيون بشكل مشترك وكل على انفراد، عن دعمهم الكبير لدولة إسرائيل اللقيطة، ويناصبون العداء للشعب العربي الفلسطيني ومصالحه وحقوقه السياسية والقانونية، ولا يبتعدون كثيرا عن سياسات الغرب بقيادة الولايات المتحدة بشأن الملف الاوكراني، ونفس الأمر بالنسبة للملف الإيراني، فضلاً عن انهم يتقاطعون مع سياسة ترامب القادم على حصان أبيض في ملف المهاجرين وغيرها من الملفات، بعد قرار المحكمة العليا الأميركية، بمنحه حصانة فوق القانون، واسقاط التهم الموجهة ضده.


الانتخابات الفرنسية بنتائجها النهائية سيكون لها تداعيات سلبية على فرنسا داخليًا من حيث التأثير على الديمقراطية وحرية التعبير وعلى المهاجرين والاقتصاد عمومًا، وعلى دول الاتحاد الأوروبي، وعلى كل الأقاليم العالمية وخاصة إقليم الشرق الأوسط والصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لأن اليمين الفرنسي المتطرف سيعكس سياساته الداعمة لإسرائيل في خطوات عملية ضد المصالح الوطنية الفلسطينية. وبالتالي مطلوب فلسطينيًا الاستعداد للتعامل مع التطورات الفرنسية والأوروبية والأميركية باليات عمل ولغة سياسية مختلفة لتدارك الاخطار الناجمة عن التحولات الدراماتيكية.