عندما رشح نفسه للرئاسة عن الحزب الجمهوري 2016، لم يكن معروفًا في الأوساط الأميركية عمومًا، إلا كرجل أعمال في حقل العقارات، ولديه برنامج إعلامي ثانوي، وكان بعيدًا عن النخب والمشهد السياسي الأميركي. وكونه صاحب ثروة مالية، وبحكم نزوعه كمقامر ومغامر كبير ومزاجي مسكون بعنصرية عالية ضد السود وأبناء الاثنيات اللاتينية والاسيوية، ارتأى ان ينافس على كرسي الحكم. 
نعم أعجبته فكرة الترشح للرئاسة وخاضها بقوة وبوسائل مختلفة عن كل المرشحين الجمهوريين والديمقراطيين، حيث اعتمد على الشو الإعلامي، واستفاد في حملته الانتخابية من أخطاء منافسيه الجمهوريين، وتقدم عليهم، وتفوق نسبيًا على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، من خلال الاستخدام الأكثر إثارة لمواقع التواصل الاجتماعي، ووفق بعض المصادر أطلق على موقع "تويتر" السابق إكس الحالي نحو 26000 بوست، وطرح قضايا فجة واشكالية ومن خارج الصندوق المتداول، حتى تمكن من استقطاب النسبة الأعلى في الانتخابات آنذاك.

وبعد جلوسه على كرسي الحكم مطلع 2017 لم يغير أسلوبه الفاجر في محاكاة أقرانه داخل الإدارة الأميركية، ولا ضد خصومه الديمقراطيين، ولا ضد حكام العالم بمن فيهم الأوروبيين حلفاء الولايات المتحدة التاريخيين، وانتهج سياسات دراماتيكية في التخلي عن حلف الناتو، أحد ركائز واشنطن الأساسية في السياسة الدولية، والغى العديد من الاتفاقيات الأممية منها الشراكة عبر المحيط الهادي، واتفاقية باريس للمناخ، ومنظمة اليونيسكو، الميثاق العالمي للهجرة، الاتفاق النووي الإيراني، مجلس حقوق الإنسان الأممي، إلغاء الدعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" واتفاقية الحد من التسلح مع روسيا ومنظمة الصحة العالمية، وفرض عقوبات اقتصادية على الصين، وبنى سورًا بين بلاده والمكسيك بذريعة منع الهجرة، وانتهج سياسات متهورة، وارتكبت في الولايات المتحدة اعلى نسبة قتل للسود والملونين، والأخطر أنه هدد الديمقراطية الأميركية بعد فرز نتائج انتخابات 2019، حيث رفض الإقرار بالهزيمة أمام الرئيس الحالي بايدن، ودفع أقرانه من العصابات العنصرية لاقتحام مبنى الكونغرس في 6 يناير 2020، التي حوكم عليها إلى أن اسقطتها المحكمة العليا الأميركية قبل أيام.

هذا الأميركي البشع، ونموذج راعي البقر القاتل لم يتورع هذه الأيام في حملته الانتخابية ومناظرته الأولى مع منافسه الديموقراطي يوم الجمعة الماضي (28 يونيو 2024) عن وصف بايدن ب"الفلسطيني السيء"، مؤكدًا عنصريته العميقة باعتبار الفلسطيني عنوانًا "للدونية" و"الإساءة" او "الإهانة"، وعاد مكررًا سقوطه اللا أخلاقي، ونزوعه الهمجي في وصف  زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر بانه "أصبح فلسطينيًا" خلال تجمع انتخابي في فرجينيا، حسب موقع "هافنغتون بوست"، الذي كان وجه انتقادًا لنتنياهو وحكومة حربه على خلفية حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة في مارس الماضي، ودعاه للتنحي عن رئاسة الحكومة.
ولم يتوقف الأمر عند حدود ذلك، بل كان المرشح الجمهوري العنصري هدد الطلاب الأميركيين المحتجين على حرب الإبادة، والداعمين للحقوق الفلسطينية، والمطالبين بوقف الحرب الوحشية بالطرد من الجامعات وخارج الولايات المتحدة في مايو الماضي، وتعهد بسحق تلك الاحتجاجات إذا أصبح رئيسًا، حسب صحيفة "واشنطن بوست".


ومع أن عدائه للشعب والقيادة والاهداف الفلسطينية ليست جديدة، لا سيما وأنه اعتمد صفقة القرن المشؤومة، التي صاغها نتنياهو، في نهاية عام 2017 بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس العاصمة الفلسطينية، وفرض التطبيع الاستسلامي على العديد من الدول العربية، وغيرها من الانتهاكات الخطيرة التي لاحق فيها المصالح الفلسطينية.
لكنه طيلة ولايته السابقة لم يستخدم المفاهيم العنصرية الوقحة ضد الشعب الفلسطيني، بيد أنه بعد لقائه مع مريام اديلسون المليارديرة الإسرائيلية الأميركية في 4 يونيو الماضي، وتعهدها أن تكون أكبر متبرعة له في حملته الانتخابية للعودة للبيت الأبيض شريطة ان يضم الضفة الفلسطينية إن أصبح رئيسا، وكان زوجها الميت أكبر داعم له في حملته الانتخابية عام 2016، بق البحصة العنصرية التي تسكنه، ونطق فجورًا ووقاحة بما ليس في الشعب الفلسطيني، رمز الحرية والدفاع عن السلام والعدالة الدولية وميثاق الأمم المتحدة، والذي يدافع عن حقوقه السياسية والقانونية حتى تحقيقها كاملة غير منقوصة. إلا أن ترامب التاجر المقامر والفاجر لا يتورع عن اللجوء لأقذر وأحط الأساليب عنصرية من أجل صعوده لكرسي الحكم. لقد بات عنوانًا ونموذجًا للأميركي القذر، وهو الانعكاس الحقيقي لسقوط وانهيار الإمبراطورية الأميركية.