تطرقت وغيري من السياسيين والإعلاميين عشرات المرات على جدار الخزان الوطني بضرورة الخروج من دوامة المراوحة والانتظار، والنهوض من سبات اللحظة عبر شق رؤية برنامجية جديدة، وإعادة نظر في اليات المواجهة والتحدي مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وإصلاح شأن البيت الفلسطيني، وتجسير الهوة بين مكوناته وأعمدته وروافعه، وتفعيل وتطوير هيئات ومؤسسات ودوائر منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وكسر التابوهات والمعايير القائمة منذ عام 1988. لأن الأخطار الإسرائيلية الاستعمارية النازية ماضية بخطى حثيثة نحو تكريس هدف الحركة الصهيونية التاريخي المتمثل بتنفيذ عمليات تطهير عرقي واسعة ضد أبناء الشعب، تفوق في بشاعتها وأهوالها وفظاعاتها ما ارتكبته من جرائم في النكبة الكبرى مايو 1948، والعمل على نفي الشعب العربي الفلسطيني من أرض وطنه الأم فلسطين. 
وقبل أن يخرج أحدهم لمحاججتي، ويذكرني بالواقع المعقد الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وبأهمية حماية الكيانية الفلسطينية، وقطع الطريق على حكومة حرب الإبادة بقيادة نتنياهو ومن خلفها إدارة بايدن، من خلال المناورة والواقعية السياسية، أؤكد له أني اعلم علم اليقين واقع الحال الفلسطيني جيدًا منذ التوقيع على اتفاقية أوسلو عام 1993، وأدرك أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة الفلسطينية، وانجازاتها الأممية. ولكن هل البقاء في دارة المراوحة، وانتظار التهام حكومة إسرائيل النازية ما تبقى من أرض يبقي شيئًا من الكيانية الفلسطينية؟ وهل هذا خط الدفاع الممكن والمقبول؟ وأليس الهجوم خير وسيلة للدفاع عن الذات الوطنية؟  
مع ذلك أود طرح أسئلة عديدة على القوى والقيادات السياسية الفلسطينية، هل التزمت إسرائيل باتفاقية أوسلو؟ وهل التزمت ببرتوكول باريس الاقتصادي؟ وهل أوقفت الاستيطان الاستعماري في الأرض الفلسطينية؟ وهل تؤمن بخيار حل الدولتين على حدود 4 يونيو 1967؟ وهل تقبل الانسحاب من القدس العاصمة الفلسطينية المحتلة؟ وهل تقبل بعودة اللاجئين الفلسطينيين جميعا على أساس القرار الدولي 194؟ وهل توافق مجرد الموافقة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، أو تقبل لدول العالم الاعتراف بها؟ وهل كفت عن اصدار القوانين العنصرية والنازية على مدار العقود الماضية ضد أبناء الشعب الفلسطيني؟


وعن أسئلة اللحظة الراهنة منذ 9 شهور خلت من حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، هل وافقت حكومة الحرب للحظة على وقف حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في أرجاء الوطن عمومًا وتحديدًا محافظات القطاع؟ وهل تسمح بإدخال المساعدات الإنسانية لأبناء الشعب الفلسطيني؟  وألم يعلن قادتها من نتنياهو إلى غالانت إلى سموتيريش وبن غفير وزعماء المعارضة جميعًا عن رفضهم الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟ وألا تعلمون أن ليبرمان وساعر وكتل الائتلاف الحاكم بلوروا اتفاقًا مبدئيًا لإصدار تشريع قانوني جديد هذه الأيام بعد274 يومًا من حرب الإبادة الجماعية لرفض إقامة دولة فلسطينية بين النهر والبحر، تكريسا لقانون "القومية الأساس للدولة اليهودية" الصادر في 19 يوليو 2018؟ وألم تسمعوا عن مصادرة الحكومة الإسرائيلية 1270 هكتار من الأراضي الفلسطينية في الأغوار، والتي تعادل 3138 فدانًا، ونساوي ما يزيد عن 12 ألف دونم من أراضي الوقف الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي في الاغوار، التي تشكل السلة الغذائية للدولة الفلسطينية؟ وألم يصل لأسماعكم عن تشريع 76 بؤرة استعمارية، وبناء ما يصل إلى 5300 وحدة استيطانية جديدة في المستعمرات القائمة؟ وألم تقرأوا عن تهجير قسري لما يزيد عن 26 تجمعًا بدويًا في الأغوار ومحيط القدس العاصمة الأبدية؟ وهل علمتم باستيطان المراعي الصهيوني، الذي أكل الأخضر واليابس من الأرض؟ وألم تعلموا أن سموتيريش يريد أن يسحق مدينة ومحافظة طولكرم وغيرها من المحافظات أسوة بما يجري من تدمير في محافظات غزة لإقامة الدولة الإسرائيلية الكاملة على كامل فلسطين التاريخية؟ 
وهل مازال هناك إمكانية للرهان، مجرد الرهان على مطلق إدارة أميركية كي تدفع عربة السلام للأمام؟ وألم تقد واشنطن حرب الإبادة على غزة والشعب الفلسطيني عمومًا؟ وأليست إدارة بايدن من يحمي ويدافع ويمول دولة إسرائيل اللقيطة بكل أسلحة الموت والإبادة، ويخوض حربها على العالم والقانون الدولي والإنساني الدولي وضد محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية وفي مجلس الأمن؟ وألم تروا منافسة المرشحين الديمقراطي والجمهوري الجمعة 28 يونيو الماضي وهما يتنافسان على دعم إسرائيل في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني؟


ولا أريد أن أنكأ الجراح بطرح الأسئلة عن الغالبية العظمى من الأنظمة العربية، الذين نفضوا أيديهم من القضية الفلسطينية، ولم تعد تمثل لهم أكثر من جملة سياسية في بيان عابر لا قيمة له، وممارساتهم تتناقض 360 درجة مع ألف باء الجمل السياسية، التي لا تحمل رصيدًا، أو بالأحرى رصيدًا صفريًا. 
الآن في ضوء هذه اللوحة ماذا ينتظر قادة الشعب الفلسطيني لمغادرة شرنقة الانتظار والمراوحة؟ ماذا نستفيد من البقاء في دائرة المفعول به؟ ومتى نكون الفاعل وبعيدًا عن العواطف والعنتريات والشعارات الغوغائية؟ وما الذي نخسره إذا ما قلبنا الطاولة على رأس نتنياهو وسموتيريش وبن غفير وغانتس وليبرمان وكل الجوقة الصهيونية النازية؟ 
الكرة في مرمى حركات وفصائل منظمة التحرير قبل حركتي حماس والجهاد وأجنداتهم المعروفة، فهل لديهم الحكمة والشجاعة لنفض الغبار عن حالة الترهل السائدة، أم لم يعودوا قادرين، لأنهم تأقلموا مع حالة المراوحة؟