ليست المرة الأولى التي يتنكر فيها نتنياهو لجميل الإدارات الديمقراطية في دعم إسرائيل في حروبها ومعاركها على الجبهات المختلفة، وفي المحافل الدولية، ففي زمن إدارة أوباما فتح رئيس الوزراء الإسرائيلي معارك دونكشوتية ضد الرئيس الأميركي وإدارته، والآن يعاود الكرة في التحريض على الرئيس بايدن وإدارته، ويدعي أنها من 4 أشهر قلصت إرسال الأسلحة لإسرائيل، وأشار أن حكومته توجهت مرات عدة للإدارة الأميركية داخل الغرف المغلقة لتزويدنا بالأسلحة، لكن شيئًا لم يتغير، ما وصل في نهاية المطاف أمور صغيرة، غير أن الجزء الأهم والأكبر منها لم تصل. وحسب موقع NBC نشر يوم الثلاثاء الماضي 18 يونيو مقطع فيديو هاجم فيه الرجل القوي في إسرائيل إدارة بايدن في أحدث اشتباك علني بين الحليفين بشأن الحرب في غزة، وهو ليس التباين والخلاف الأول زمن حرب الإبادة وقبلها.
وقال بيبي في الفيديو: "قلت إنني أقدر الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل منذ بداية الحرب" وأضاف: "لكنني قلت أيضًا أنه من غير المعقول أن تقوم الإدارة في الأشهر القليلة الماضية بحجب الأسلحة والذخائر عن إسرائيل"، وأن هذا الحجب للأسلحة يعيق هجوم جيشه المستمر في غزة. مما أثار سخط وانزعاج الإدارة الأميركية، وردًا على هجوم رئيس الحكومة الإسرائيلية، قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارين جان بيير: أنها ليس لديها أدنى فكرة عما يتحدث عنه نتنياهو، ورفضت إدارة بايدن يوم الثلاثاء الماضي اتهامات الوزير الإسرائيلي الأول، بأن واشنطن "حجبت الأسلحة والذخائر" عن حليفتها الوثيقة خلال الأشهر القليلة الماضية. وأكدت كارين أنه تم إيقاف شحنة واحدة فقط من القنابل الثقيلة مؤقتا منذ بدء الحرب، في حين أن الأسلحة ومليارات الدولارات استمرت في التدفق الى إسرائيل.

ويأتي هذا الهجوم من نتنياهو عشية سفر وزير الحرب الإسرائيلي، غالانت لواشنطن، لتحقيق أكثر من هدف، منها أولاً تعكير أجواء رحلة المسؤول العسكري الأول؛ ثانيًا إلقاء ظلال ثقيلة على حواراته مع المسؤولين الأميركيين. رغم أن أحد أهداف زيارته ترطيب أجواء العلاقات المشتركة بين الدولتين الحليفتين، وتأمين دعمها لحربها على لبنان؛ ثالثًا الاستحواذ على أي انجاز يمكن ان يحققه غالانت، والايحاء للرأي العام الإسرائيلي بأنه صاحب الفضل في تحقيقه؛ رابعا محاولة لي ذراع الإدارة عمومًا وبايدن شخصيًا عشية زيارته لواشنطن في 24 يوليو القادم لإلقاء كلمة أمام الكونغرس، وقبيل الانتخابات الرئاسية؛ خامسًا الهدف غير المعلن من هجوم نتنياهو مغازلة المرشح الجمهوري، ترامب وحزبه، والاستقواء على الإدارة الديمقراطية ورئيسها. لا سيما وأنه سيبقي نيران حربه متقدة لحين إجراء الانتخابات وفوز حليفه الجمهوري.
والنقطة الأخيرة تشير إلى أن استهداف رئيس حكومة حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني يعود إلى فرضية باتت واضحة وجلية في تعامل الزعيم الإسرائيلي مع الإدارات الديمقراطية، حيث يعتبرها الخاصرة الضعيفة في الولايات المتحدة، والتي يمكن ان يستقوي عليها بادعاءاته الكاذبة. لأن ما قدمته الإدارات الديمقراطية وخاصة إدارة الصهيوني الجيد فاق ما قدمته الإدارات الأميركية السابقة بدءً من قيادة دفة الحرب، وارسال حاملات طائراتها وغواصاتها وقواتها العسكرية الى إسرائيل، وفتحت أبواب مخازن أسلحتها المختلفة وذخائرها لتقديم كل ما تحتاجه إسرائيل عبر جسورها الجوية والبحرية لنقل الأسلحة وغيرها، وقدمت نحو 60 مليار دولار للحكومة الإسرائيلية، وحماية الدولة اللقيطة في المؤسسات الدولية، واستخدامها حق النقض / الفيتو 4 مرات للتغطية على حرب الإبادة، ولمواصلتها على الشعب الفلسطيني. 

في حين أن حكومات إسرائيل المتعاقبة بما فيها حكومات نتنياهو ال6 لم تفتح أية معارك مع الحزب الجمهوري، وكانت تنصاع لمحددات سياساتها، منذ حكومة شامير في مطلع التسعينيات من القرن الماضي عشية عقد مؤتمر مدريد 1991 وإلى الآن، وهو ما يكشف انحياز واضح من الحكومات الإسرائيلية للحزب الجمهوري على حساب الحزب الديمقراطي واداراته المتعاقبة. 

مما أثار مخاوف الإدارة الأميركية الحالية مما سيقوله نتنياهو أمام الكونغرس الشهر القادم، ودفع العديد من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين للتوجه لجمع التواقيع على مذكرة تطالب بتأجيل زيارة الزعيم الإسرائيلي لواشنطن والحؤول دون إلقاء خطابه أمام الكونغرس. 
مع ذلك لا يجوز قراءة لوحة التباينات بين حكومة نتنياهو وإدارة بايدن، إلا في إطار الخلاف المحسوب، والذي لا يحمل أية انقلابات دراماتيكية في العلاقة البينية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. لأن إسرائيل كدولة وظيفية، هي مصلحة استراتيجية أميركية، بيد أن ذلك لا يمنع من بروز تباينات واجتهادات بين الإدارات والحكومات الإسرائيلية. ومن المبكر الرهان على هذه الخلافات في وصولها إلى نقطة اللا عودة. وبالتالي نكران نتنياهو جميل إدارة بايدن ليس جديدًا، وهذا هو منطق الحركة الصهيونية وحكومات دولتها النازية مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية، ولا تتورع عن توجيه أية اتهامات لها بما في ذلك "معاداة السامية" الكذبة التي باتت مفضوحة، وعارية عن الصحة بالنسبة للرأي العام الأميركي والدولي على حد سواء.