بقلم: إسراء غوراني

في 20 نيسان/أبريل الماضي، استشهد المسعف محمد عوض الله موسى (50 عامًا) برصاص مستعمرين هاجموا قرية الساوية جنوب نابلس، في حادثة تعكس حجم الاعتداءات التي تتعرض لها طواقم الإسعاف من الاحتلال ومستعمريه في الضفة الغربية خلال عملها الإنساني.

ويروي المسعف بشار القريوتي، والذي كان مرافقًا للمسعف الشهيد لحظة ارتقائه، تفاصيل ما حدث في ذلك اليوم، حين هاجم مستعمرون مسلحون قرية الساوية بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، فتوجهت طواقم الإسعاف إلى هناك للتعامل مع الإصابات في صفوف أهالي القرية.

ويقول القريوتي: "قمنا بإخلاء مصابيْن وشرعنا بنقلهما بمركبة الإسعاف متجهين إلى أقرب مركز طوارئ، في ذلك الوقت كنت في الخلف أتعامل مع الإصابتين، فيما كان زميلي محمد يقود المركبة مبتعدًا عن مكان الهجوم، عندها أطلق مستعمرون الرصاص صوب المركبة ما أدى إلى إصابة محمد بشكل مباشر فتوقف عن الحركة"، مضيفًا أنه وفي خضم خطورة الموقف صعد أحد الشبان الذين كانوا يتواجدون على مقربة منا على الفور إلى مركبة الإسعاف بجوار السائق وقادها إلى أقرب مركز طوارئ قي قرية قبلان القريبة، وهناك أعلن عن استشهاده نتيجة إصابته برصاصة في الشريان الرئيسي في الفخذ.

ويستذكر القريوتي مجموعة من الانتهاكات التي تعرض لها وزملاؤه خلال عملهم في جنوب نابلس، حيث يواجهون خطر الموت يوميًا وفي كل لحظة، إما بسبب رصاص الاحتلال واعتداءاته، أو جراء إرهاب المستعمرين المتصاعد، مؤكدًا أنهم نجوا من الموت عدة مرات، ففي حادثة سابقة اعترض مستعمرون مركبة الإسعاف وقاموا برش مواد قابلة للاشتعال داخلها تمهيدًا لإشعال النار، لكنهم تمكنوا من الفرار بأعجوبة.

ويروي المسعف المتطوع في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في نابلس منذ 20 عامًا، محمد بعارة، تفاصيل العديد من الانتهاكات التي تعرض لها خلال عمله على إسعاف ونقل المصابين، مؤكدًا أنه تعرض لانتهاكات متعددة من قوات الاحتلال هو وزملاؤه على مدار سنوات تطوعه، لكن الأشهر الأخيرة شهدت تصاعدًا كبيرًا في طبيعة الانتهاكات وخطورتها، فلا يكاد يخلو يوم من هذه الانتهاكات بحق طواقم الإسعاف.

ومن أشكال الانتهاكات التي يتعرض لها باستمرار هو وزملاؤه، إيقاف مركبة الإسعاف وتفتيشها، والاعتداء عليهم بالضرب عدة مرات، كما أنه تعرض في أحد الأيام لمحاولة دعس من دورية للاحتلال.

وحول أصعب حادثة اعتداء تعرض لها، يشير بعارة إلى أنها كانت خلال الأسابيع الأخيرة، خلال توجهه مع طاقم الإسعاف إلى مخيم بلاطة شرق نابلس خلال اقتحام قوات الاحتلال للمخيم، حينها أوقف الجنود مركبة الإسعاف وشرعوا بتفتيشها ووضعوه أمام دورية الاحتلال لاستخدامه درعًا بشريًا خلال المواجهات.

ويقول بعارة: أنهم "يواجهون ظروفًا صعبة للغاية للحفاظ على حياة المرضى والمصابين خلال نقلهم"، حيث تم خلال الفترة الأخيرة تسجيل العديد من الحالات تم خلالها مهاجمة سيارات الإسعاف واستهداف المصابين داخلها واعتقالهم، بالإضافة إلى تسجيل عدة حالات لاستشهاد مصابين بسبب احتجاز مركبات الإسعاف وهم بداخلها وتأخير نقلهم إلى المستشفيات.

ولا تتوقف انتهاكات الاحتلال بحق المسعفين على منطقة دون أخرى، حيث تشهد غالبية مناطق الضفة هذه الانتهاكات، ومن بين أخطر هذه الانتهاكات ما تعرضت له المسعفة صابرين الكيلاني خلال عملها على نقل وإسعاف مصاب من مخيم جنين، حيث تعرضت لإطلاق رصاص مباشر من قناصة الاحتلال.

وتقول صابرين، وهي أم لطفلتين: "أن الإصابة التي تعرضت لها قبل ثمانية أشهر بأنها الحدث الأصعب الذي مر عليها خلال عملها في هذا المجال منذ ست سنوات، حيث اخترقت الرصاصة أسفل ظهرها وتفجرت داخل جسدها ما أدى إلى إصابة الطحال والرئتين، كما أنها فقدت قدرتها على المشي لعدة أشهر، وما زالت تعاني من تبعات الإصابة وتخضع للعلاج".

وحول الظروف التي تعمل بها طواقم الإسعاف مؤخرًا، تؤكد صابرين أن المسعف عندما يخرج من بيته متجهًا إلى عمله فإنه يعلم بأنه قد يكون هدفًا للقناصة، وأن مهمته الإنسانية قد تودي بحياته في أية لحظة، مشيرة إلى أن ذلك انعكس على حياتهم اليومية وعلى عائلاتهم التي تعيش في حالة قلق وخوف دائم عليهم.

ووثقت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني حوالي 600 انتهاك بحق طواقم الإسعاف في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، منذ بدء عدوان الاحتلال الشامل على شعبنا في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وتنوعت هذه الانتهاكات حيث شملت: منع وإعاقة الوصول، والانتهاكات بحق طواقم الإسعاف والمصابين على حد سواء،  بالإضافة إلى الانتهاكات بحق المباني والمنشآت التابعة للهلال الأحمر، كما وثقت الجمعية استشهاد 13 مصابًا بسبب منع تقديم الخدمة لهم، بالإضافة إلى استشهاد المسعف موسى، وإصابة 18 مسعفًا بسبب انتهاكات الاحتلال خلال الفترة ذاتها.

ويؤكد مدير الإسعاف والطوارئ في جمعية الهلال الأحمر في نابلس، أحمد جبريل، أن انتهاكات الاحتلال بحق طواقم الإسعاف في الضفة عديدة ومتنوعة، وهذه الانتهاكات ليست جديدة، مشيرًا إلى أن الانتهاكات بحق الطواقم لم تبدأ منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر بل سبقت ذلك بعقود، فكان هناك شهداء وإصابات من جمعية الهلال الأحمر على مدار السنوات السابقة، مشيرًا إلى أن طواقم الإسعاف في مختلف محافظات الضفة الغربية تتعرض لانتهاكات بنسب متفاوتة، ولكن تتركز أكثر الانتهاكات مؤخرًا في مناطق شمال الضفة الغربية مثل: طولكرم، وجنين، ونابلس، وطوباس، بالإضافة إلى البلدة القديمة في الخليل جنوب الضفة، حيث يمنع الإسعاف من الدخول إلى البلدة.

ويضيف جبريل: "أنه خلال الأعوام الأخيرة ومنذ تولي الحكومة الإسرائيلية المتطرفة مهامها، ازدادت الانتهاكات وتنوعت، مع العلم أن القانون الدولي يحرّم الاعتداء على المسعفين ومركبات الإسعاف، ولكن جيش الاحتلال لا يجد من يردع جرائمه وانتهاكاته"، متطرقًا إلى خطورة اعتداءات المستعمرين على المسعفين، خاصة خلال الفترة الأخيرة، حيث تتم هذه الاعتداءات أمام مرأى جيش الاحتلال، وازدادت خطورتها على الطواقم بشكل كبير، موضحًا أن حادثة استشهاد المسعف في قرية الساوية برصاص المستعمرين دقت ناقوس الخطر، وشكلت تخوفًا كبيرًا لدى الطواقم من تعريض حياتهم للخطر بكل لحظة، ما يؤثر على عملهم بشكل واضح، خاصة مع عدم وجود رادع يمنع المستعمرين من اعتداءاتهم.

وفيما يتعلق بمهاجمة قوات الاحتلال لمركبات الإسعاف وإعاقة عملها أو اعتقال مصابين من داخلها، يؤكد جبريل أن القانون الدولي يحرّم مهاجمة مركبات الإسعاف والاعتداء على المصابين واعتقالهم منها، ولكن اليوم أصبح نهجًا لدى جيش الاحتلال اختطاف المصابين من داخلها أو الاعتداء عليهم كما حدث في جنين ونابلس وطوباس طولكرم والخليل وكل محافظات الضفة، منوهًا إلى أن ما تشهده الضفة من تصاعد خطير بحجم ونوع الانتهاكات بحق طواقم الإسعاف، يتزامن مع ظروف خطيرة جدًا تعمل بها طواقم الإسعاف في قطاع غزة مع استمرار العدوان على القطاع للشهر التاسع على التوالي.

ويضيف: منذ بداية العدوان على قطاع غزة شنت سلطات الاحتلال حربا على القطاع الصحي، فكان هناك عدد كبير من الشهداء والجرحى من الطواقم الطبية وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أثناء تأدية مهامهم الإنسانية رغم وجود تنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث وثقت الجمعية في قطاع غزة استشهاد 19 من طواقمها خلال عملهم، وإصابة 35 آخرين، واعتقال واحتجاز 36، بالإضافة إلى تضرر 53 مبنى تابعًا للجمعية، وخروج 41 مركبة عن الخدمة، وتعرض 29 مركبة أخرى لأضرار منذ بداية العدوان.

وتفيد وزارة الصحة في تقريرها الذي يرصد انتهاكات الاحتلال بحق المنظومة الصحية في قطاع غزة، بأن 15 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى في قطاع غزة تعمل، وجميعها تعمل جزئيًا، وتواجه نقصًا حادًا في العاملين والإمدادات الطبية، بما في ذلك التخدير والمضادات الحيوية، ما يجعل العاملين في مجال الرعاية الصحية يكافحون من أجل إنقاذ الأرواح.

ويشير تقرير الوزارة، إلى استشهاد نحو 500 كادر في القطاع الصحي، وإصابة المئات، واعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 310 آخرين، وتدمير 130 مركبة إسعاف، خلال عدوانها.

وتحذّر منظمة الصحة العالمية من أن حجم الإمدادات الطبية التي تدخل غزة غير كاف لاستدامة الاستجابة الصحية وأن جميع عمليات الإجلاء الطبي خارج غزة لا تزال متوقفة.

ورغم تأكيدات المنظمات الأممية والحقوقية الدولية على أن استهداف المستشفيات والطواقم الطبية وطواقم الإسعاف هو مخالفة واضحة لمبادئ ومعايير القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة التي تكفل حماية خاصة للمستشفيات والمراكز الصحية وقت نشوب النزاعات المسلحة والحروب، وأن استهدافها يشكل جريمة ضد الإنسانية وترقى لجريمة حرب، إلا أن الاحتلال يواصل استهدافه للمنظومة الصحية في قطاع غزة والضفة الغربية، ضاربًا بعرض الحائط كل القوانين الدولية والإنسانية.