ينتابني شعور بليغ، عندما أريد أن أتحدث أو أكتب عن المرأة الفلسطينية،، شعور بالفخر والعزة، لأننا أمام امرأة عظيمة استثنائية، صلبة لها قدرة مذهلة على التحمل، صبورة بشكل مدهش، وتدرك أن مهمتها المتواصلة هي أن تنسج الأمل من اليأس، وفي ذات الوقت أشعر بالخجل أمام هذه المرأة، التي لا تتوقف عن العطاء، لأننا مهما فعلنا وحاولنا أن نفيها حقها نبقى عاجزين، حتى لو كانت محاولاتنا كاملة مكتملة وحقيقية. وإذا طرح السؤال حول مقياس العطاء، لا أتردد بالقول إن النساء الفلسطينيات يتفوقن على الرجال، فالمرأة الفلسطينية ليست معطاءة وحسب بل إنها تبدع وتفاجئ الجميع بعطائها.


من هنا فإن ما نحتاجه هو مزيد من العمل من أجل تفكيك الثقافة الذكورية، التي تصادر حق المرأة في تقرير خياراتها، وأن تكون شريكة للرجل في صناعة القرار من أدنى أشكاله ومستوياته إلى القرار الأكثر أهمية. ولعل الوصول إلى هذا الهدف يتطلب ممارسة ديمقراطية مستمرة، وبالتوازي مع ذلك أن يكون هناك مسار ينتج مجتمعاً معرفيًا، يكون فيه الفرد، بغض النظر عن الجنس، قادرًا على امتلاك عقل معرفي مستقل، وقادر على تحديد خيارته، بوعي ومسؤولية.


واقع المرأة يتطور إيجابيًا كلما تطور المجتمع ذاته ضمن عملية تنموية شاملة في مختلف المجالات، وعندما يتحول إلى مجتمع المؤسسات، مجتمع منتج ومبدع، يحترم مبدأ سيادة القانون ويتيح فرصًا متساوية لجميع أفراده، تصبح مسألة النهوض بواقع المرأة ممكنة بشكل أكثر يسرًا. قد يبدو ذلك صعبًا مع الحالة الفلسطينية في ظل الاحتلال ومع غياب الحرية والسيادة على الأرض والشعب، ولكن انخراط الشعب الفلسطيني بالكفاح من أجل حريته، هذا بحد ذاته يطور الوعي بأهمية اندماج الطاقات بهذه العملية كافة، ما يستوجب أن تحظى المرأة بحقها الأصيل في صناعة القرار السياسي. 


في الحياة العملية اليومية يلمس المتابع أن ما يميز المرأة الفلسطينية، أنها طموحة تتقن أي عمل يوكل إليها، جدية، وفي الغالب يتفوق التزامها على التزام الرجل في تنفيذ العمل بشكل صحيح ومناسب. وحتى في أرفع المناصب يمكن ملاحظة قدرة المرأة على المتابعة الحثيثة، وهي تبدي قدرة على تحمل الضغوط بشكل لافت وتكون أكثر إخلاصا لإنهاء مهماتها بشكل صحيح.


أكثر ما يلفت النظر في المرأة الفلسطينية قدرتها على تحمل اللحظات المأساوية،  لحظة الفقدان القاسية، فهي تعلم أن تحرير الوطن وحرية الشعب هو عملية كفاحية لها ثمن باهظ، وإن التضحيات تقرب الخلاص وتضع حدًا للمأساة العامة. وما تجدر الإشارة إليه أن تراكم أكثر من مائة عام من الصراع الصعب قد أنتج وعيًا عميقًا، يمكن تلخيصه بأن فلسطين لن تعود للفلسطينيين إلا بهزيمة الصهيونية، وأن هذه الهزيمة لن تحصل بضربة قاضية، لأن الصهيونية عدو عابر للقارات يمثل خلاصة الفكر الاستعماري الاستشراقي، لهذا كله فإن المعركة طويلة وتحتاج إلى صبر وتحمل وتضحيات جيل بعد جيل، المرأة الفلسطينية هي المؤشر الأكثر وضوحا لهذا الوعي الوطني بطبيعة الصراع، وتقف شامخة في حالة من التحدي لعدو لا يرحم.


في يوم المرأة العالمي سنضيف للمرأة الفلسطينية نجمة في السماء لتكون دليل نساء العالم بأنهن قادرات على صناعة الفارق، والمساهمة بصياغة مستقبل أفضل لهن وسيكون حتمًا مستقبل أفضل للبشرية جمعاء.

 

المصدر: الحياة الجديدة