لا تُمنَحْ المرأة الحقوق، فهذه مخلوقة معها، فالحقوق لا يملكها أحد حتى يعطيها إياها، كما لا تجزى بها على اسمها ونسبها أو عملها أو نضالها وريادتها، وإنما لذاتها الإنسانية الكاملة غير المنقوصة ولا بمقدار قطر شعرة، ولا بمعيار وزن حبة خردل.  


لا تحتاج المرأة في المجتمع عمومًا لامرئ (رجل) ليحررها من قيود العادات والتقاليد الظالمة، ولا تحتاج إلى إمرأة تأخذ عنها هذه المهمة، وإنما تحتاج مجتمعًا قد تحرر المرء (الرجل) فيه من كل موروث مخالف للأخلاق، ونصوص الشرائع وتحتاج لامرأة انتزعت حقوقها وحريتها المسلوبة  بشجاعة حكمة وعقلانية فائقة، وأصبحت مثلاً يحتذى في احترام قيمة الإنسان  بنوعيه (الذكر والأنثى). 

 
قد تستقوي المرأة لانتزاع حريتها وحقوقها بقوانين دولة المواطنة التي لا تفرق بين مواطن وآخر على أساس النوع، لكن هذا السلاح يبقى بأدنى درجات فاعليته ما لم يأخذ زلزال الثورة الثقافية في المجتمع  قواعد وأركان التخلف والظلم، ويعاد رفع قواعد وركائز مجتمع المساواة والعدل، على أرض صلبة قوامها التعليم والتربية والثقافة النقية والمشعة بكل الاتجاهات كالماس، حينها يصبح مبدأ احترام قيمة الإنسان في المجتمع عقيدة إنسانية، يصدقها التفكير والنتاج الإبداعي، والعمل والسلوك لدى النوعين: الذكر والأنثى، وهذا يتطلب حراكًا تفاعليًا منظمًا وممنهجًا ومبرمجًا، في المسارين العمودي والأفقي، وبالاتجاهات كافة.. فالقوانين التي تحمل على مبدأ التمييز الإيجابي تبقى قاصرة -رغم ضرورتها- لوضع حد للظلم النازل على الإنسان الأنثى (المرأة) والمسنود بتعاميم ومفاهيم وتفسيرات وفتاوى ذكورية متسلطة، لا صلة لها بشرائع العدل والمساواة الناظمة للعلاقة بين الإنسان والآخر بغض النظر عن نوعه وعرقه ولونه.. لذا فإن الموازي للقوانين منهج تربية وتعليم ثوري -بمعنى التغيير الجذري- أما الثقافة وثقل الموروث فيها فإنها تحتاج إلى عملية تنقية من الشوائب التي علقت بها بسبب قرون التخلف والانحراف عن مسار التفكير والإدراك والتحليل والمنطق والمعارف والعلوم، أو بسبب عمليات  تلويث حثيثة قصدها الغزاة والمستعمرون ليتمكنوا من كسر العمود الفقري لمجتمعاتنا (العدل والمساواة).  


نعتقد أن التحرر من السلطة الذكورية وما فيها من استكبار وتمييز واستعباد وظلم للإنسان الأنثى (المرأة) واغتصاب حقوقها، واعتبارها مخلوقًا تابعًا للمتعة، بلا استقلالية أو قيمة خالصة كما خلقت!    يتطلب تثويرًا ذاتيًا فرديًا وجمعيًا لدى إنسان المجتمع بذكوره وإناثه على حد سواء، وصولاً إلى مرحلة المساواة والعدل وتجسيد الاحترام الخالص لقيمة الإنسان.. وهنا يجب ألا نغفل فايروسات الدونية المتنوعة والمتعددة المضامين والأشكال التي زرعتها جماعات تستخدم الدين لأغراض وأهداف سلطوية  دنيوية، وحرصت على ضمان بقاء (المرأة) وهي أكثر من نصف المجتمع خاضعة بلا مشيئة، أو قرار، مسلوبة الإرادة، ويتم ذلك بتخويفها، وإرهابها بنذر عذاب عظيم، إن لم تتبن تعاميمهم ومفاهيمهم، وتبقى خاضعة لمشيئتهم ورغباتهم الجسدية والدنيوية! وبالمقابل لا يكفون عن ترغيبها بسعادة مطلقة لا وجود له إلا في مخيلات الذكور السلطويين الذين سلبوها روحها وكيانها وحياتها، حتى ولو كانت تمشي بين الناس على ساقيها وتتكلم بلسان، لكنه ليس لسانها! فهذه ضحية السلطوي الذكوري تحتاج من يأخذ بيدها ليعيدها إلى رشدها، لتبدأ صياغة شخصيتها من جديد، فمجتمع المساواة والعدل الفاضل لا يقبل الإنسان إلا حرًا سيد نفسه، بمشيئته وقراره وخياره  وإرادته، وعقله وتفكيره وسلوكه المنسجم مع قيم الأخلاق.. الإنسان بنوعيه الأنثى والذكر،  فالمرأة  الحرة هي محور هذا المجتمع وعموده الفقري ومركز عصبه الحي أبدا.   

المصدر: الحياة الجديدة