في ظني تشكل الذائقة أساسًا للتكوين المعرفي، من الناحية الجمالية على الأقل، فلكل شيء طعم، لا يمكن إدراكه ومعرفة طبيعته، دون حاسة الذوق، وليس الأشياء المادية، فحسب، طعامًا كان أو شرابًا أو حتى ثيابًا، وإنما لكل شيء آخر في هذه الحياة، من الغاية إلى المعنى،  ومن  الفكرة إلى المعتقد، ومن الرائحة إلى الصورة، وسنعرف أن للإيمان حلاوة تكمن لذتها في الطاعة، كما للموت طعم كل نفس ذائقة له، كما جاء في الذكر الحكيم.   وثمة متصوف قال بِوَلَهٍ شديد: أن تذوق معناه أن تعرف، وأن تعرف، معناه أن ترى، وأن ترى ستعرف ما تفعل، وحسب ما تستطعم الشيء، وتدرك ماهيته ومقترحاته، فإما أن تقدم أو تتراجع.


 كلكامش قال أنا من رأى حينما كان في الأعالي ، فأقدم على السير في البحث عن الخلود، ومحمود درويش قال: "أنا من رأى أمعاءه فوق الدوالي فاقترب"، تأكيدًا لطبيعة الفلسطيني المجبولة على التحدي، وإصراره على السير في طريق الحرية حتى لو كانت أشلاؤه مقطعة في هذه الطريق، وقبل ذلك كان قد قال: "سنرمي كثيرًا من الورد في النهر، كي نقطع النهر" "وما زال في الدرب درب لنمشي ونمشي".


إنها الذائقة، وكلما تنورت، وتحضرت، كلما تجلت خياراتها بليغة الجمال. فأن تكون ذواقًا، معناه أن تسير في دروب الحسن، والجمال، حسن القول، والموقف، والسلوك، وجمال الاختيار، والانتماء. 
للإمام علي بن أبي طالب (رض) قول طالما أعود إليه لصواب حقيقته إذ يقول: "قيمة كل امرئ فيما يحسنه" وما من حسن دون ذائقة بليغة، دون هذه الذائقة يعود كل شيء بلا طعم، وبلا معنى، ولا فائدة، ولهذا لن يكون بوسعنا أن نحسن شيئًا، حينها لن تعود لنا أية قيمة...!! 
إنها الذائقة التي تحدد طبيعتنا وشخصيتنا، بقدر ما تجعلنا أقدر على الاختيار بين الصالح والطالح، بين الجمال والقبح وبين الكلم الطيب والكلم الخبيث.

المصدر: الحياة الجديدة