حرب الأكاذيب وقلب الحقائق انتاج وتوزيع وتسويق صهيوني بامتياز، حركة رجعية عنصرية غذت وتغذي وعيًا فاسدًا، يرتع منه العديد من اليهود الذين تصهينوا، وتعمدوا في وحل أفكارها الملفقة والآسنة والمفضوحة. أحد أبواقها، الذي أصدر كتابًا بعنوان "الثمن الدامي للحرية" الصادر عن مؤسسة "جيفن" للنشر في القدس ونيويورك، ضخ فيه كمًا كبيرًا من الأكاذيب، واستقى من كتابه مقالة طويلة نشرها في صحيفة "يسرائيل هيوم" بعنوان "جرأة محمود عباس" يوم الثلاثاء الموافق 28 حزيران الماضي، لخص فيها أبرز عناوين الادعاءات المكشوفة، وقلب الحقائق، وزور التاريخ وتوجه بهجومه الرخيص على سيادة الرئيس محمود عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية....إلخ.


أنكر ريتشارد هايدمان الصهيوني في مقالته إمكانية تحقيق السلام مع الفلسطينيين قبل أن "يرحل عباس"، واعتبر رئيس منظمة التحرير "أسوأ راعٍ للارهاب في العالم". وقبل الانتقال لمناقشة عناوين الافتراء الأخرى، أود أن اتوقف أمام المفصلين المذكورين، واسأل هايدمان، هل حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو في 13 أيلول/ سبتمبر 1993 حتى الآن ترغب بتحقيق السلام مع قيادة منظمة التحرير؟ وما هي معايير السلام الإسرائيلي؟ هل تقبل إسرائيل بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، أو خيار الدولة الواحدة؟ ما هو الحل المقبول إسرائيليًا؟ وإذا كانت ترغب بالسلام لماذا اغلق نتنياهو في نيسان/ ابريل 2014 بوابة المفاوضات؟ ولماذا اغتال اليمين الصهيوني المتطرف رابين، رئيس الحكومة التي وقعت اتفاق أوسلو مع الرئيس عرفات في البيت الأبيض؟ ولماذا تم اعتقال ايهود أولمرت، رئيس الحكومة الأسبق؟ وهل سمعت مواقف نفتالي بينيت ورفضه مجرد اللقاء مع سيادة الرئيس عباس، ورفضه وجود أي دولة فلسطينية بين النهر والبحر؟ وهل تعتقد ان هناك قائدًا فلسطينيًا غير عباس قادر على صناعة السلام مع دولتكم البغيضة واللا شرعية؟


وأما عن وصف رئيس الشعب الفلسطيني "بأسوأ راعٍ للارهاب في العالم"، فأسأل الصهيوني الوقح: ماذا أبقيت لدولتكم غير الشرعية القائمة والمنتجة للارهاب الدولاني المنظم؟ وما هو الإرهاب الأسود ان لم يكن الاستعمار والعنصرية والفاشية الصهيونية، التي تعيد انتاج المحرقة النازية بادوات أخرى؟ ومن هو الإرهابي إن لم تكن إسرائيل القائمة على الرواية الكاذبة؟ وعن أي تاريخ تتحدث؟ وأين هي جذروكم في فلسطين، إن كنتم عبرتم لها من أصله؟ أم أنك تتجاهل الحقائق التي أعلنها خبراء الآثار الإسرائيليون، وأكدوا فيها أنه لا وجود لأية آثار للهيكل الثالث المزعوم؟ أولم تقرأ كتاب البروفيسور شلومو ساند عن "اختراع الشعب اليهودي"؟ وهل قرأت الآن بابيه وكتابه عن "التطهير العرقي للفلسطينيين"؟ وهل تابعت تقرير منظمة العفو الدولية "أمنستي" الأخير، وتقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" الأميركية، ومنظمة "بتسيلم" الإسرائيلية، وقرارات مؤتمر الحزب الديمقراطي الأميركي في ولاية كارولينا الشمالية، ونتائج مؤتمر الكنيسة البروتستانية الأميركية والبيان الصادر أول أمس عن اجتماع مجلس الكنائس العالمي التي جميعها تصف دولة إسرائيل بدولة الفصل العنصري، والإرهاب؟ وفي حال غادر سيادة الرئيس عباس هل لديكم الاستعداد لصناعة السلام؟ أولم تكن مقولاتك الناضحة إرهابًا وتزويرًا وحقدًا وكراهية على أبو مازن، هي ذاتها المقولات التي استخدمت ضد الرئيس الرمز الراحل ياسر عرفات، ام أنك نسيت، أو تناسيت؟ ومتى يكون سيادة الرئيس عباس مقبولاً وغير إرهابي من وجهة نظرك ووجهة نظر قادة إسرائيل المارقة والخارجة على القانون والحركة الصهيونية الرجعية والعنصرية، عندما يرفع راية الاستسلام، ويقبل ببقاء استعماركم الوحشي فوق ارض الأباء والاجداد الفلسطينيين العرب؟


ويعود هايدمان ليجتر نفسه بادعاءات لا أساس لها من الصحة، عندما يقول أن "عباس أنكر الهولوكوست"، والحقيقة انه لم ينكرها، ولكنه أشار للحقائق الدامغة الرابطة بين قيادات الحركة الصهيونية وهتلر سليل اليهودية الصهيونية، كما ذكر لافروف، وزير الخارجية الروسي مؤخرًا، وأوضح في كتابه "قنطرة الشر الصهيونية" عن عملية التضخيم المفتعل من قبل قادة الحركة الصهيونية. لكنه لم ينكر المحرقة، ولا يوجد إنسان عاقل يمكنه انكار المحرقة الهتلرية ضد اتباع الديانة اليهودية الالمان والبولنديين وغيرهم.


وأما ما أوردته عن رفض أبو مازن الوجود الاستيطاني الاستعماري باي شكل أو مظهر في أرض الدولة الفلسطينية المحتلة، فهو حقيقة، وسيلاحق أبناء الشعب الفلسطيني الصهاينة وكل مظاهر الاستعمار الإسرائيلي بكل أشكال النضال السياسي والدبلوماسي والشعبي والقانوني والثقافي الإعلامي والفني، ولن نسمح كفلسطينيين عرب من مختلف المشارب، وليس سيادة الرئيس عباس فقط لكم البقاء على أرض الشعب العربي الفلسطيني، وإذا كنتم معنيين بالسلام، عليكم أولاً الإقرار بالحقوق السياسية للشعب العربي الفلسطيني، والانسحاب فورًا من أراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين وفقاً لقرار الشرعية الدولية 194، وحق تقرير المصير للشعب الفلسطينيب بنفسه، والمساواة الكاملة لابناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية المختلطة، دون ذلك لن يكون لكم مستقر في ارض فلسطين، أيًا كانت القوى والدول التي تقف وراءكم.


وعليه عندما ينادي القادة الفلسطينيون وعلى رأسهم سيادة الرئيس محمود عباس بالتمسك بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، فهم يقبلون بوجود دولتكم. ولكنكم انتم من يرفض السلام، ويرفض التعايش.


باختصار شديد وردًا على الأكاذيب الأخرى، أولاً لا تنازل عن الرواية الوطنية الفلسطينية. ولن يتم تغيير المناهج الفلسطينية مهما كانت التضحيات؛ ثانيًا رواتب ذوي الشهداء والأسرى أولوية لا يمكن التخلي عنها تحت أية ضغوط، وأيًا كانت الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وقيادته. لأن من يتخلى عن الشهداء وأسرى الحرية، رموز النضال الوطني، يكون مأجورًا ورخيصًا ولا تاريخ له، ومعاديًا للشعب ومصالحه الوطنية العليا؛ ثالثًا لا أحد دافع عن حق تقرير المصير كما دافع ويدافع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وكما دافع الرئيس الرمز الراحل أبو عمار وقيادات الشعب الوطنية كلها؛ رابعًا صفقة ترامب مرفوضة رفضًا قاطعًا من قبل القيادة والشعب الفلسطيني وفي مقدمتهم سيادة الرئيس عباس. وسيناضلون جميعًا حتى تحرير القدس من الوجود الاستعماري الصهيوني، ولن يسمحوا بوجود أي أثر لتلك الصفقة في ارض فلسطين المحتلة.


هناك ادعاءات وأكاذيب كثيرة أعاد صياغتها هايدمان بهدف تضخيم عملية التحريض على الرئيس محمود عباس ومنظمة التحرير، التي اعتبرها "منظمة إرهابية"، وتناسى ان قيادته اعترفت بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ولن يكون هناك سلام إلا مع المنظمة وقيادتها الوطنية، غير ذلك وهم وسراب وجنون، وإعادة عقارب الساعة للوراء وللمربع الأول، والخاسر الأكبر هو إسرائيل ومن يقف خلفها.


*المصدر: الحياة الجديدة*