ما كان لجريمة القتل أن تصبح أسهل مخرج لدى القاتل للتحرر من مشكلته، لولا إحلال العنف في العمود الفقري لمفاهيم مجتمعاتنا، حتى بات المرء كتلة من الموروث الاجتماعي، يحركها تطبيق سلوكي، فينفذ أوامر نفسه المريضة الناشئة أصلا في بيئة مضادة للتفكير، والحوار العقلاني.
لا بد من تحديد أسباب ( الداء ) في مجتمعاتنا، ولا بد من الوضوح والصراحة في تشخيص وباء جريمة القتل وسفك الدم عمومًا، والجريمة بحق الانسان، الأنثى تحديدًا، فنحن بمواجهة وباء ركبنا عناصر فيروساته في مختبرات مجتمعنا، وهيأنا له بيئة ظلم، وأضفينا عليها صبغة عادات وتقاليد، وتفسيرات خاطئة، قصد الذين روجوها الابقاء على سلطانهم وشهوانيتهم، حتى ولو كانت على حساب روح انسان آخر، لكن دعونا نذهب لأبعد من ذلك ونرى ماذا فعلت آلاف الأحزاب السياسية، والجماعات الدينية، والجمعيات الممولة بقصد التنمية والتنوير والتثقيف، والمنظمات الحاملة لعناوين الطفولة والشباب والمراكز الثقافية، ونرى كيف ارتدت لغة الأب والمعلم والخطيب على المنابر العنيفة على نفوس أطفالنا وشبابنا ورجالنا، وحتى الامهات من نسائنا اللواتي بتن يمهدن البنت للخضوع والطاعة العمياء للظالم بحجة (الستر) ودرءا لشبهات المجتمع الطوفانية المغرقة!.. فكل هؤلاء مسؤولون عن مآل المجتمع، فإن عم فيه السلم فهم قد أوفوا العهد وقاموا بواجبهم، وإن بات العنف ظاهرة فعلينا سؤالهم ومساءلتهم، قبل وصولنا الى نقطة التسليم، والجلوس بانتظار اسم الضحية التالية!
يجب الاعتراف أن الانسان المدرك لقيمته وكرامته وحريته وخياراته خصوصيته المقدسة لم تكن ضمن أولويات برامج الأحزاب السياسية بكل مسمياتها الوطنية والقومية والدينية واليسارية واليمينية، فالفرد ذكرا كان أو أنثى كان مجرد رقم للتباهي بالحشود والهتاف والتجييش، والرص في ميادين الصراعات بينها، فأهملت الجهل العدو الأول للإنسان، وركزت على الشحن بتعاميم حزبية، بانت عند الشدائد أنها أضعف من أخذها كسلاح في ميادين الصراعات الأساسية مع العدو الخارجي، والثانوية مع أعداء الحرية والتحرر والعدالة والمساواة في المجتمع.
يجب الإقرار بأن الغالبية العظمى من المشرعين في بلادنا لم تكن عقولهم ولا نفوسهم ولا سلوكياتهم حرة متحررة، فيما امتنع آخرون عن طرح أفكارهم خوفا على مكانتهم ومصالحهم، وردات فعل من فئات اجتماعية قوتها في أصواتها الانتخابية، أو في جبروتها وسيطرتها على (العرائش العائلية) وإلا لكان لدينا قوانين حديثة عصرية منسجمة مع الثورة الفكرية في العلوم السياسية والاجتماعية والإنسانية.
مئات المنظمات والجمعيات والمراكز والمشاريع الصغيرة والكبيرة في كل بلد عربي، وكلها تحت يافطات ( ثورية خلاقة ) أكثرها ممول من حكومات دول تدعي رعايتها لحقوق الانسان، يافطات يعتقد من يقرؤها يعتقد أنها ستحدث ثورة ثقافية في المجتمع تقلب مفاهيمه المتخلفة وموروثاته الظالمة رأسا على عقب، لكن لا تجد بعد البحث عن النتائج، إلا انقلابا ماديا في حياة رؤسائها ومدرائها وموظفيها، ولا ندري كيف يقبل الممول ( أبو الانسانية !! ) تمرير حسابات فواتير اجتماعات وورشات عمل واحتفالات، بدون محاسبة المسؤولين عن فاتورة التنمية الحقيقية، والاستثمار بالإنسان، ومعرفته لحقوقه، وتنمية ادراكه للذات الانسانية وقيمتها، وأن يكون اضافة نوعية للسلم المجتمعي، وليس مشكلة تقف عقبة أمام تقدمه.
لا تردع قوانين الإعدام مجرمًا قاتلاً، قرر ارتكاب الجريمة عن سابق تصميم وترصد، وأطفأ بانفعالاته آخر شمعة تحت سقف بصيرته، وتركها تغلي على مرجل ذكوريته ورجولته، التي لا يعنيه إلا الظهور بها متفاخرا أمام المجتمع حتى لو كانت ملطخة بدم ضحية! لكن تنشئة إنسان في المجتمع يتعلم كيفية معالجة مشاكله وحلها بالسبل المنطقية والقانونية وحسب مقتضيات القيم الأخلاقية كالمحبة والتسامح والعفو، ما يتطلب أيضا تنشئة انسان صريح صادق حر كريم يتقبل رأي الآخر ومشاعره وعواطفه وأفكاره، انسان دون تعيين الجنس، يدرك أن تفعيل الكراهية والأحقاد والعدائية والمواقف الضدية لحظة البحث عن حل للمشكلة تعني انتحارًا ذاتيًا أولاً، قبل أن تكون جريمة قتل، قد يكون عقابها الموت أيضًا في بعض القوانين السائدة.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها