لم يقصد "غابرييل غارسيا ماركيز" الصهيونية حينما قال: "في هذه المدنية لم يقتلونا بالرصاص وإنما أيضًا قتلونا بالقرارات"، ولكنه استلهم مقولته من تلك المعاناة الي تعيشها البشرية من جراء القتل وحرمان الحقوق.
ويبدو أن الصهيونية الحديثة تجسدت في كلمات هذا الأديب العالمي لتضيف على قذارة احتلالها للشعب الفلسطيني وصفاً آخر لم يذكره "ماركيز" نفسه، ألا وهو الفصل العنصري، حينما يكون القتل والحرمان أساسه التمييز والهيمنة. وتظهر هذه السمة جليًا في تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي "نفتالي بينيت"، والتي أثارت جدلاً واسع النطاق حينما حاورته قبل يومين مذيعة شبكة "CNN" الأميركية كريستيان أمانبور، فقد أنكر "بينيت" وصفها للأراضي الفلسطينية بأنها محتلة، موضحًا أنها أراض متنازع عليها في القانون الدولي!، كما شدد "بينيت" أثناء تعليقه على اقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، على أن وظيفته كرئيس للحكومة الإسرائيلية هي حماية أمن الإسرائيليين وليس الفلسطينيين!
في الواقع، تثير اقتحامات المسجد الأقصى من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي إشكالية خطيرة حينما يتم النظر في فكر وممارسة "الصهيونية الجديدة" المتربعة على عرش الحكم في إسرائيل. ففي الوقت الذي حذرت فيه دوائر الأمن الإسرائيلية من تصاعد وتيرة العنف في شهر رمضان من قبل الفلسطينيين، نجد أن حكومة الاحتلال اليمينية هي نفسها التي قامت بالتصعيد في شهر رمضان، فقتلت أكثر من 23 شهيدًا، واعتقلت 450 أسيرًا فلسطينيًا؛ بينهم 105 أسرى صدرت بحقهم أوامر اعتقال إداري. كما اقتحمت قواتها المسجد الأقصى المقدس بالنسبة للمسلمين وجرحت مئات المصلين. وفي الوقت الذي تدعي فيه شرطتها بأنها تتصدى لاقتحامات المسجد الأقصى من قبل المستوطنين، إلا أنها لم تجرح أو تقتل أو تعتقل أيًا من هؤلاء المتطرفين الذين ينتمون لجماعات الهيكل والمنظمات الصهيونية الإرهابية مثل كاخ وشبيبة التلال وغيرهم. فهل أسلحة قوات الشرطة الإسرائيلية صالحة فقط ضد الفلسطينيين، أم أن حياة الفلسطينيين ليست مهمة؟!.
وتفرض قوات الاحتلال الإسرائيلي قيودًا صارمة منذ رمضان الجاري على أعداد وأعمار المصلين في المسجد الأقصى، في الوقت الذي تسمح به للمتطرفين المتدينين اليهود بزيارة الحرم المقدس والصلاة فيه تحت أعين الشرطة الإسرائيلية برغم أن القانون الإسرائيلي نفسه يمنع صلاة اليهود هناك، كما تمنع أصول الشريعة اليهودية الصلاة في الحرم المقدس وفقًا لجوزيف مسعد أستاذ التاريخ السياسي والثقافي العربي بجامعة كولومبيا الأميركية. وبالضرورة، فهل تريد الحكومة الإسرائيلية تقسيم الحرم القدسي زمانيًا ومكانيًا، أم أنها تسعى لإثارة حرب دينية في المنطقة، أم أنها تقوم بالسياستين معا في الوقت الذي يمنع فيه القانون الدولي حكومة الاحتلال من إحداث أي تغيير في الأمر الواقع للأماكن المقدسة والمناطق المحتلة.
في الواقع، يبدو جليًا أن حقوق الفلسطينيين الدينية والمدنية ليست مهمة في نظر الاحتلال الإسرائيلي!.
إن أحداث الأقصى الأخيرة أثبتت بوضوح سياسة التمييز والفصل العنصري لدولة الاحتلال، حيث حياة الفلسطينيين وحقوقهم ليست مهمة كما يشير تقرير منظمة العفو الدولية في التعليق على الأحداث الدامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما أن سياسة التحريض ضد الشعب الفلسطيني لم تقتصر فقط على وسائل الإعلام الإسرائيلية، وإنما اشتملت أيضًا على التصريحات الرسمية للقادة الإسرائيليين، فهذا "غانتس" وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي يهدد بشن حرب لا هوادة فيها على الفلسطينيين، كما هدد باستخدام القوة في أقصى الحدود ضد المتظاهرين الفلسطينيين حتى لو أدى ذلك إلى قتلهم بمجرد الاشتباه، وقد أشار تقرير الأورومتوسطي إلى تسجيل ما لا يقل عن 8 عمليات إعدام ميداني بذريعة الاشتباه أو محاولة تنفيذ عملية طعن في الأحداث الأخيرة.
وبالنتيجة، وكما يقول "ماركيز" فقد قتلوا الفلسطينيين ليس فقط بالرصاص وإنما أيضًا بسياسات الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

المصدر: الحياة الجديدة