منذ قيام الكيان الصهيوني في العام 1948، حاول أن يشرعن وجوده ليظهر بمظهر الدولة، فأنشأ المحاكم العدلية وافتتح الجامعات التي خرّجت "القضاة" الذين بقوا في خدمة المؤسسة العسكرية حتى يومنا هذا. ولم يكتفِ الإحتلال بذلك، بل عمد قادة الكيان إلى إنشاء المحاكم العسكرية التي ستفتك بالشعب الفلسطيني بأحكام جائرة ستصل في بعضها الى ألفي سنة، وذلك بسبب خوفهم من أن يقول أحد القضاة كلمة حق بِأحد الأسرى الفلسطينيين. 

بداية القضاء العسكري الصهيوني 

في العام 1963، وضع الإحتلال اللبنات الأولى لمشروع بناء قضاء عسكري يأتمر بأوامر الجيش مباشرة. وفي العام 1967، أي بعد اشتداد المقاومة الفلسطينية، شرّع الإحتلال الصهيوني بإنشاء جهاز القضاء العسكري في الأراضي المحتلة، وفي النصف الثاني من العام 1967، كان القضاء العسكري جاهزاً ليفتك بالشعب الفلسطيني. 
وقد نصّ الجهاز الجديد، على وضع الأراضي المحتلة في عهدة القضاة العسكري، كما نصّ على تعيين مدّعياً عاماً عسكرياً يتولّى الحكم في الأراضي المحتلة، ويعاونه في مهمته مستشار قانوني وقاضيين عسكريين ونائبين عسكريين وطاقم إداري. وفور تعيينه، دخل المدعي العسكري إلى الأراضي الفلسطينية يرافقه وحدات عسكرية من جيش الإحتلال وأصدروا 3 إعلانات عسكرية، الأول يتعلق بسيطرة القائد العسكري على المناطق المحتلة من ناحية الإدارة والأمن والنظام العام، والثاني إعلان إقامة جهاز قضائي عسكري يخضع مباشرة لسلطات الإحتلال، فيما الإعلان الثالث يتعلّق بسريان الأمر بشأن تعليمات الأمن. وقد أرفقت هذه الإعلانات العسكرية بترتيب الإجراءات القانونية أمام المحاكم العسكرية، وتعريف الجرائم والعقوبات التي يجب أن تلقى على المخالفين للأوامر الجديدة. وقد حصل كل ذلك دون إخطار الفلسطينيين الذين يرزحون تحت الإحتلال، بما يعتبره الإحتلال جرائم وعقوبات. 


الاحتلال يعترف بإتفاقية جنيف الرابعة ثم يتراجع 
بعد تطبيق "القانون الجديد" وكي يظهر بمظهر الحضاري والمحافظ على الحقوق المدنية والإنسانية، اعترف الإحتلال الصهيوني بإتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في حال الحرب وعدم التعرُّض لهم، لكنه سرعان ما انقلب عليها بعدما بدأ بإصدار تشريعات عسكرية طالت كافة جوانب حياة الفلسطينيين، فأصبح التنقل بأمر والذهاب الى العمل بأمر، والحصول على الطبابة بأمر، وزيارة الأقارب بأمر. وذهب الإحتلال أبعد من ذلك عندما بدأ بإصدار تشريعات تتعلق بملكية الأراضي والمنازل وبناء المنازل والمنشآت، وإن كانت ملكيتها تعود للفلسطينيين، ليصل عدد هذه الأوامر في 3 سنوات الى 1700 أمراً وقراراً عسكرياً، طال الفلسطينييون ومزق نسيجهم الإجتماعي من الداخل. 
بعد تزايد الاعتراضات الدولية على تجاهل الإحتلال لإتفاقية جنيف الرابعة، عمد الإحتلال على مرأى ومسمع من العالم كله، إلى إلغاء انطباقات إتفاقيات جنيف جميعها في الثاني والعشرين من العام 1976، وكان الموقف الرسمي لدولة الإحتلال تجاه إتفاقيات جنيف أنها لا تنطبق على الأرض المحتلة، لأنها لم تحتل هذه المناطق من دولة ذات سيادة على اعتبار أن الاردن ومصر كانت تقوم بعملية إدارة لهذه المناطق فقط. وزاد على ذلك عندما قام بإنشاء محاكم عسكرية في المدن الفلسطينية المحتلة: أريحا، نابلس، رام الله، وشرقي القدس والخليل. واستمرت أحكام القضاء العسكري غير قابلة للنقض حتى العام 1981، عندما أعلن الحاكم العسكري عن إقامة محكمة عسكرية للاستئنافات. 

الأسرى الفلسطينيين 
منذ إعلان الإحتلال الصهيوني سيطرته على الأراضي الفلسطينية وإقامة كيانه المزعوم، هبّ الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني للدفاع عن أرضهم، فوقع العديد منهم بين شهيد وأسير. لتبدأ معها المحاكمات العسكرية القذرة التي تمنح الجلاد حق محاكمة أصحاب الأرض لدفاعهم عنها. 
مع مرور الوقت تحوّلت قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الإحتلال إلى قضية دولية، وصارت من أكثر القضايا حساسية بالنسبة للشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية، إذ بلغ عدد المعتقلين في سجون الإحتلال منذ نشأة الكيان المزعوم أكثر من مليون معتقل أي أن 20% من أبناء الشعب الفلسطيني قد دخلوا المعتقلات الصهيونية لفترات مختلفة، وكمثال على البطش الصهيوني فقد بلغ عدد المعتقلين خلال إنتفاضة الأقصى التي اندلعت في العام 2000، أكثر من 40 الف عملية اعتقال لا يزال أكثر من 6000 منهم معتقلين داخل السجون الإسرائيلية، موزّعين على أكثر من 27 معتقل وسجن، تصفهم المؤسسات الحقوقية الدولية بالأسوأ على المستوى العالمي. 

يوم الأسير الفلسطيني 
في العام 1974 أقر المجلس الوطني الفلسطيني باعتباره السلطة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية، خلال دورته العادية التي انعقدت في السابع عشر من نيسان، يوماً وطنياً للوفاء للأسرى الفلسطنيين وتضحياتهم، ويعتبر هذا اليوم من أكثر الأيام الوطنية لشحذ الهمم وتوحيد الصفوف في مواجهة الإحتلال الصهيوني، وكذلك لنصرة الأسرى ومساندتهم ودعم حقهم بالحرية، ولتكريمهم وللوقوف بجانبهم وبجانب ذويهم، وأيضاً بهدف إثبات الوفاء لشهداء الحركة الأسيرة. 
منذ العام 1974 يُحيي الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات هذا اليوم، وقد أطلقت مؤسسات تعنى بشؤون الأسرى، الثلاثاء الماضي، فعاليات يوم الأسير، إيذاناً بانطلاقها مساء السبت، عبر إيقاد شعلة الفعاليات من مدينة جنين. على أن تشهد الأراضي المحتلة مسيرات ووقفات في مختلف مدن وبلدات الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس الشرقية، وقطاع غزة، إلى جانب فعاليات في مخيمات الشتات. 
ومع إحياء الذكرى ستنطلق حملة إلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار "إلى_متى؟"، وتهدف الحملة إلى "تسليط الضوء على أبرز القضايا الراهنة المتعلقة بواقع الحركة الأسيرة، وإيصال رسالة بأنه آن الأوان أن ينعم الأسرى بالحرية التي لطالما انتظروها على مدار عقود مضت".

الأسرى بالأرقام 
بحسب الإحصاءات هناك 543 معتقلاً يقضون أحكاماً بعدة أحكام بالسجن المؤبد (والحكم الواحد يساوي 99 عاماً حسب القانون العسكري الإسرائيلي). كما تشير الإحصاءات إلى أن 34 أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من 25 عاماً داخل سجون الإحتلال، في حين مضى على اعتقال نحو 13 أسيراً ما يزيد على 30 عاماً متواصلة. 
وقد بلغ عدد المعتقلين الإداريين، أي من دون محاكمة، داخل السجون الإسرائيلية من بين إجمالي الأسرى نحو 540 معتقلاً إدارياً. ويعتقل الإحتلال حالياً 4450 فلسطينياً في 23 سجناً ومركز توقيف وتحقيق، بينهم 32 سيدة، و160 قاصراً.  ويبلغ عدد المعتقلين منذ مطلع العام الحالي 2140 أسيراً فلسطينياً 
أما أعداد المعتقلين المرضى، فقد وصل إلى 600 معتقلاً، بينهم 200 بحالة مرضية مزمنة، منهم 22 مريضاً بالسرطان. في حين بلغ عدد الأسرى الشهداء 227 معتقلاً داخل السجون، منذ العام 1967، ومن بينهم 75 أسيراً استشهدوا نتيجة القتل العمد، و73 جراء التعذيب، و7 بعد إطلاق النار عليهم، و71 نتيجة سياسة الإهمال الطبي. ولا تزال سلطات الاحتلال تحتجز جثامين 8 أسرى أقدمهم، أنيس دولة، الذي استشهد في سجن عسقلان في العام 1980.