تواصل دولة الاحتلال اسرائيل التهرب من لحظة الحقيقة التي تفرض عليها الاعتراف  بدولة فلسطينية مستقلة  ذات سيادة حتى  على جزء من الجغرافيا ما بين النهر والبحر، إنها تلف وتدور، وتعمل بكل الطرق على الأرض لمنع الوصول إلى هكذا لحظة. وخلال كل مفاوضاتها واتفاقياتها مع الدول العربية ومع الفلسطينيين، عملت إسرائيل كل ما في وسعها لعدم ذكر دولة فلسطينية ...!!

اقتراح وزير الجيش الاسرائيلي بيني غانتس، والذي يقول بوجود كيانين سياسيين  منفصلين في جغرافيا تسيطر عليها إسرائيل أمنيًا، أو لها اليد الطولى أمنيًا على امتداد جغرافيا فلسطين التاريخية، هو هروب، أو التفاف جديد على  حل الدولتين، وعن وجود دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة في الضفة وقطاع غزة إلى جانب إسرائيل. الحل الذي يقترحه غانتس، والذي يحتاج إلى توضيح، هو أقرب إلى دولة لشعبين، ولكن يعيشان بشكل منفصل تماماً  من الناحية السياسية.

اقتراح وزير الجيش غانتس ليس جديدًا، فقد رعت السويد قبل عقد من الزمان نقاش فلسطيني إسرائيلي غير رسمي، هدفه إبداع حلول للقضايا المعقدة  بين الطرفين مثل القدس والاستيطان واللاجئين. ولكن الأهم بالنسبة لإسرائيل هي أن تحل مشكلة الديموغرافيا دون أن يكون للفلسطينيين دولة مستقلة ذات سيادة على أرضها ومواردها وحدودها. وفي حينها خرج المتفاوضون بمشروع يوجد فيه على امتداد الجغرافيا بين النهر والبحر كيانان سياسيان يعيشان بشكل متداخل، ولكن الواحد منها منفصل عن الآخر سياسيًا.

وفي توضيح أكثر، فإن اي فلسطيني، بغض النظر أين يقيم في القدس أو حيفا أو الخليل هم يتبعون الكيان السياسي الفلسطيني، ( برلمان وحكومة وجهاز قضائي ). بالمقابل أي يهودي، بغض النظر أين يقيم في تل أبيب أو مستوطنة كريات أربع  قرب الخليل، هو يتبع الكيان السياسي اليهودي، ( برلمان حكومة وجهاز قضائي )،  بمعنى أنه وبغض النظر أين يقيم الفلسطيني أو اليهودي،  فإن كل منهما يتبع الكيان السياسي الخاص به، أي أنه بالرغم من التعايش المتداخل، فإن كل طرف منفصل عن الآخر سياسيًا.

وفي حلقة السويد، المشار إليها، فان من حق أي مواطن أن يسكن أينما يريد في هذه الجغرافيا لكن تبعيته السياسية مختلفة. وبالطبع وضع المتحاورون في حينه ضمانات بأن لا يتم طرد، أو أن يتم تبادل سكاني لأن لا وجود لدولة فلسطينية منفصلة في مثل هذة التسوية.

لا ندري مقاصد غانتس فيما طرح، هل يتحدث عن حل كالمشار إليه سابقًا، أم شيء آخر؟ لذلك عليه أن يوضح أفكاره أكثر، فعلى سبيل المثال هل الكيانان السياسيان لهما الاقتصاد ذاته، هما  كما يشير،  في إطار أمني عام واحد،  ولكن هل يشمل الاقتصاد،  أو أنهما يشكلان سوقًا اقتصاديًا واحدًا؟

صحيح أن غانتس ومع كل اليهود يريدون التخلص من " لعنة " الديموغرافيا الفلسطينية، حيث أصبح الفلسطنيون بنفس عدد اليهود وربما أكثر. الفكرة الصهيونية تم إنشائها قبل أكثر من مائة عام، انطلقًا من عدم الاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقه التاريخي بهذه الأرض، فقالوا في البداية المقولة الشهيرة " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض " ثم مقولة " أرض أكثر وسكان أقل ". وعندما صاغت الصهيونية مع البريطانيين والأمريكان إعلان بلفور عام 1917, صاغوه بحيث ينكر أي حق سياسي للفلسطينيين في أرضهم. وبإستثناء إتفاقات أسلو التي اعترفت فيها إسرائيل بحقوق سياسية للشعب الفلسطيني، ولكن دون الإشارة بشكل واضح لدولة فلسطينية، فإن إسرائيل رفضت التعاطي مع الشعب الفلسطيني من زاوية أن له حقًا سياديًا على أي جزء من فلسطين التاريخية، والدليل الأخير في مسار التاريخ الصهيوني، هو قانون يهودية الدولة، أو قانون القومية، الذي أقره الكنيست الإسرائيلي عام 2018،  الذي يمنح اليهود وحدهم حق تقرير المصير على أرض إسرائيل، والمقصود من النهر للبحر، اذا لم يكن أكثر.

مشروع غانتس يدور في نفس المراوغة الصهيونية ذاتها منذ أكثر من مائة عام. ولكن من حق الطرف الفلسطيني ان يفهم أكثر ويطلع أكثر عما  يقصده غانتس، فتجاهل الحقوق الوطنية الفلسطينية، يبقي الصراع في دائرة مفرغة.

 

المصدر: الحياة الجديدة