لم أحظ  خلال تواجدي في بيروت في السبعينيات من القرن الماضي، بمقابلة القائد خليل الوزير "أبو جهاد" وجها لوجه بشكل شخصي، بالطبع رأيته مرارًا في مناسبات عامة، وقد أكون مقصرًا فعلاً في أنني  لم أحاول جديا لقاء هذا القائد المختلف، لذلك لا أدعي أنني أعرفه عن كثب. من دون شك كنت أتابع أخباره، من منطلق أني إعلامي يعمل في إعلام منظمة التحرير الفلسطينية، وكنت على اطلاع بقدر معقول على المهام والمسؤوليات التي كان أبو جهاد يقوم بها، وكانت مهام في غاية الأهمية والحساسية.

وكما هي العادة يبدأ البحث الحقيقي عن سيرة أي قائد فلسطيني بوزن أبو جهاد، بعد استشهاده، بهدف تدوين التاريخ وإنصاف هؤلاء القادة الذين بالفعل وهبوا حياتهم لفلسطين. أول ما لفت نظري في سيرة أبو جهاد أنه من ذلك النوع من الرجال الذي لا يتحدث كثيرًا لكنه يعمل كثيرًا، وأفعاله هي الشاهد وليس الأقوال. وقد لا أبالغ إن قلت إن أبو جهاد هو المؤسس الفعلي والعملي لـ "فتح" بالرغم من أن ياسر عرفات، ومن دون شك، هو الملهم وهو الأكثر إصرارًا ومواظبة على أن تنفذ الفكرة، إلا أن أبا جهاد هو المنفذ العبقري، الذي كانت الفكرة مختمرة لديه منذ أن بادر إلى تشكيل خلايا الفدائيين في قطاع غزة،منتصف الخمسينيات من القرن العشرين.

لقد آمن أبو جهاد بأن الكفاح المسلح هو القادر على تغيير واقع النكبة المرير، وهو القادر على إعادة الشعب الفلسطيني وقضيته إلى الواجهة من جديد. والكفاح المسلح لم يكن هدفًا بحد ذاته بل هو الوسيلة لتحقيق الأهداف المحددة، هكذا فهم أبو جهاد "فتح". وبشكل أعمق، ومن خلال مجلة  "فلسطيننا" التي كانت فتح وأبو جهاد تحديدًا وراء إصدارها في بيروت في نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات، حدد أبو جهاد، مستفيدًا من تجربة الثورة الجزائرية، أهمية الاعتماد على النفس، وامتلاك الإرادة الوطنية الفلسطينية الحرة، وانتزاع القرار الوطني الفلسطيني من أيدي غير الشعب الفلسطيني.

كان يدرك أهمية أن يمتلك الشعب الفلسطيني إرادته وقراره، فالمقدمة الضرورية لممارسة أي شعب حقه في تقرير المصير، أن يكون حر الإرادة وقادرًا على تقرير مصيره بنفسه.

وربما القليلون منا يدركون كم كان أبو جهاد براغماتيًا، وربما اشترك مع أبو عمار بهذه الصفة بمعناها الأعمق، فهو يؤمن بالمقولة ذاتها التي كان ياسر عرفات يرددها "أنا لا يمكن أن أسجن نفسي في قفص الأيديولوجيا ما دمت حرًا"، وأبو جهاد طبق هذه المقولة العرفاتية بصمت وعبر الفعل، فقد امتلك علاقات مع حركات التحرر كافة وحتى تلك الأكثر تطرفًا مثل التوبومارس في أميركا اللاتينية، كل ذلك من أجل فلسطين كقضية وطنية، فالمهم بالنسبة له هو الفعل الذي يقربنا من أهدافنا أكثر.

وعندما كان هناك ضرورة لعمل عسكري نوعي داخل الأرض المحتلة، كان أبو جهاد يقف وراء تنفيذه، فالأعمال العسكرية مربوطة بأهداف سياسية وليست مجرد ردات فعل. ولأنه أحد أهم محركي الانتفاضة الشعبية الفلسطينية التي بدأت في نهاية عام 1987،  اعتقدت إسرائيل أنها باغتيال أبو جهاد يمكن اغتيال الانتفاضة، لكن البذرة كنت أقوى وأصلب من أن يتم اغتيالها.

أبو جهاد قائد الأفعال وضع نفسه في الصفحات الأكثر فخرًا من تاريخ الشعب الفلسطيني. ويكفي هذا الرجل أن اسمه  وفعله قد أصبحا خالدين في وعي الشعب الفلسطيني جيلا بعد جيل.

المصدر: الحياة الجديدة