حل أمس، يوم الأسير الفلسطيني الذي توافق مع أحد الشعانين عشية عيد القيامة الكبير لأبناء الشعب من أتباع الديانة المسيحية، الذي أحيته الجماهير الفلسطينية في مختلف المحافظات والمدن والتجمعات كما يليق بالحركة الأسيرة، ودفاعًا عن حق الأسرى الأبطال من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب بنيل الحرية الكاملة والإفراج عنهم ليروا النور، ويتعامدوا مع شمس الحرية، وفضاء السلام، وزوال العنف والفوضى والإرهاب والعنصرية الإسرائيلية، ودعمًا لمكانتهم الأساسية في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وللضغط على العالم ومنابره الأممية ذات الصلة بحقوق الإنسان وأسرى الحروب، خاصة معاهدات جنيف الأربع للارتقاء لمستوى المسؤولية تجاه أسرى الحرية الفلسطينيين، الذين تتعمد حكومات إسرائيل المتعاقبة ومؤسساتها الأمنية والحقوقية الاستعمارية بالإساءة لهم ولدورهم وموقعهم الكفاحي بعكس مكانتهم كمناضلي حرية واستقلال، ورموز لكفاح الشعب الفلسطيني. 

ولأبطال فلسطين خلف القضبان الإسرائيلية قصص تحاكي أعظم قصص التاريخ البطولية، فهناك الآن أكثر من 552 أسيرًا بطلاً محكومًا بالمؤبد، وأكثر من 52 أسيرًا عظيمًا أمضوا أكثر من 30 عامًا، وتجاوزوا المدة التي قضاها المناضل الأممي نيلسون مانديلا في الاعتقال، ويقف على رأسهم البطلان نائل البرغوثي الذي تخطى حاجز الأربعين عامًا، وكريم يونس عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، هؤلاء الرواد الشامخون بصمودهم وعطائهم وفولاذية صبرهم، الذين ينثرون الضوء والشمس والدفء في عروق الأسرى جميعا بتحديهم سلطات السجون المجرمة ومن خلفها كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة المؤصلة والموجهة لعمليات القهر والتجديف عكس القانون الدولي، وفرض أنظمة جائرة ومتجبرة ولا إنسانية ضد أسرى الحرية، الذين مازال بعضهم يقبع داخل أسوار وزنازين إسرائيل الـ23 حوالي 4450 أسيرًا، بينهم 160 طفلاً، و32 امرأة من الماجدات الفلسطينيات، وبينهم الأسيرة إسراء الجعابيص، التي احترق أكثر من 60% من جسدها بسبب احتراق سيارتها في الحادي عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2015، وللأسف لم تقدم لها سلطات السجون العلاج المناسب، ولم تؤمن لها أية عمليات تجميل لإعادة الاعتبار لأعضاء جسدها المحترقة، التي امتزجت ببعضها البعض نتيجة اشتعال النيران بها، ومع ذلك اتهمتها أجهزة الأمن الإسرائيلية بمحاولة ارتكاب عملية فدائية، مع أنها كانت تنقل أغراض من بيتها القديم لبيتها الجديد، واشتعلت سيارتها على بعد 1500 متر عن الحاجز الإسرائيلي، ليس هذا فحسب بل إنها ناشدت جنود ورجال شرطة الحاجز الإسرائيلي لمساعدتها، غير أنهم تركوها تحترق مع سيارتها، وتم الحكم عليها بأحد عشر عاما زورا وبهتانا كالعديد من الأسرى الفلسطينيين. 
كما أن بين جنرالات الأسر 600 مريض، منهم 200 حالة مرضية مزمنة، مصابون بالأمراض السرطانية الخبيثة، وبينهم الشيخ الجليل فؤاد الشوبكي، الذي بلغ من العمر 83 عامًا، ومع ذلك لا تقدم دولة التطهير العرقي للأسرى الميامين العلاج المناسب، ولا شبه المناسب، وإنما مسكنات لا تسمن ولا تغني من جوع، وتتركهم نهبا للمرض والآلام، وتعتقلهم في سجون تتنافى فيها شروط السلامة الصحية مع العديد منهم، خاصة الأسيرة الإنسانة إسراء الجعابيص، أستاذة التربية، التي كانت تنشر الفرح بينهم من خلال تقمصها دور المهرج بملابسها وأصباغها البهية والجميلة. 
في يوم الأسير الفلسطيني الباسل تملي الضرورة على العالم ومنظماته الحقوقية والأممية رفع صوتها مجددا لإعادة الاعتبار لقضية أسرى السلام والعدالة والحرية، كأسرى حرب، وليسوا "مخربين" ولا "إرهابيين" وإنما الصورة معكوسة تمامًا، لأن السجان والقاتل والإرهابي والغاصب للحق والوطن والحرية هو الإسرائيلي الصهيوني، المغتصب للقوانين والمعاهدات الأممية ذات الصلة، والمدعوم من الولايات المتحدة ومن لف لفها في الغرب وغيره من دول العالم؛ وثانيًا الإفراج الفوري ودون شروط مسبقة عن الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى؛ ثالثًا تأمين شروط اعتقال مناسبة، وتأمين العلاج والأدوية المتوافقة مع أمراض الأسرى جميعا ووفق احتياجاتهم الضرورية لحين نيلهم الحرية؛ رابعًا إلغاء كافة التدابير والإجراءات الإجرامية الإسرائيلية ضدهم، وتأمين الزيارات الدورية لأسرهم ودون حواجز الأسلاك والزجاج العازل وبزمن أطول ... ألخ. 

قضية الأسرى كانت ومازالت ملفا أساسيًا من ملفات الصراع، وستبقى قضية أساسية، ولن تفرط القيادة الفلسطينية في حق من حقوقهم، وفي مقدمتها حق ذويهم في الراتب أسوة بأسر الشهداء، ولن تقبل القيادة المساومة على هذا الحق، ولن تسمح لكائن من كان فرض الشروط عليها، وستبقى متمسكة بالدفاع عنهم، لأنهم عناوين ورموز للنضال الوطني، وشموع الحرية ومنارات التحرر والسلام والعدالة. ولهم وعليهم ألف سلام. 

المصدر: الحياة الجديدة