شهد شهر رمضان المبارك منذ بدايته حتى أمس الجمعة حربًا إسرائيلية شاملة أدت لاستشهاد ما يقرب من خمسة عشر مواطنًا ومئات الجرحى، وعشرات الاقتحامات، على سبيل المثال لا الحصر أول أمس الخميس كان هناك أربعون جبهة مفتوحة في الضفة الفلسطينية في مقدمتها القدس العاصمة وجنين غراد مرورًا بنابلس وطولكرم وقلقيلية وطوباس وسلفيت ورام الله والبيرة وأريحا وبيت لحم والخليل، وتوجت أمس الجمعة الموافق الرابع عشر من الشهر الفضيل في اقتحام قوات الجيش وحرس الحدود المسجد الأقصى وإطلاق قنابل الغاز والصوت والرصاص المطاطي والاعتدءات على المرابطين والمصلين العزل، وتم اقتحام المصلى القبلي وقبة الصخرة بشكل وحشي فاشي أدى لجرح ما يزيد (حتى ساعة إعداد هذا المقال في الحادية عشرة والنصف قبل الظهر) عن 150 مرابطًا، واعتقال ما يزيد عن 650 مواطنًا بعد ربط أيديهم والاعتداء عليهم، وبالإضافة لتكسير زجاج المصلى القبلي.

واستمرارًا لنهج التصعيد الإجرامي، ومواصلة الحرب الإسرائيلية القذرة على جماهير شعبنا الفلسطيني استشهد مواطن من كفر دان بمحافظة جنين (وما زال النهار في أوله)، وكأن لسان حال حكومة بينيت/ لبيد وكل العصابات الصهيونية المارقة والخارجة على القانون من حريديم وعلمانيين وما بينهم من القتلة، أن إسرائيل المغتصبة للديانة اليهودية شاءت استباحة الدم الفلسطيني كـ "قرابين" لعيد البيسح (الفصح) لإرضاء زعيم "عودة  للهيكل"، مخائيل موريس وغيره من قطاع الطرق المستعمرين ومجلس "يشع". وتناسى أولئك المجرمون من رئيس الدولة هيرتسوغ إلى رئيس الحكومة الفاشي بينت إلى وزير الجيش، غانتس ووزير الخارجية، لبيد والبلطجي ليبرمان والفاشي جدعون ساعر والمرأة المسكونة بالكراهية والحقد على السلام والفلسطينيين، شاكيد وغيرهم، تناسوا جميعًا أن الدم الفلسطيني المراق لن يؤمن لهم الأمان، ولا الاستقرار، ولا الهدوء، ولا كي الوعي الفلسطيني، كما لا يمكن لسياسة العصا والجزرة الصهيونية أن تلغي أو تغيب جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإما السلام القائم على العدل الممكن والمقبول على أساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 وضمان العودة للاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الدولي 194 والمساواة الكاملة لأبناء الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة أو ديمومة الصراع مهما كلف الثمن. 
لا حلول وسطا، لا حل اقتصاديًا، ولا رشوة التصاريح، وتحسين شروط المعيشة، ولا الدولة المؤقتة، ولا إمارة غزة ولا صفقة القرن ولا الاستسلام الإبراهيمي ولا التطبيع المجاني العربي الرسمي ولا أية تحالفات عربية إسرائيلية ستحقق لإسرائيل الأمان. لأنها جميعها عناوين لإشعال شرارات السهل والجبل والوادي الفلسطيني.

وعليه إن اعتقد حكام دولة الإرهاب المنظم الإسرائيلية من السياسيين والعسكريين والأمنيين والقضاة والحاخامات والإعلاميين والمثقفين المناصرين لخيار العربدة والقوة والجريمة المنظمة، إن اعتقدوا أن أبناء الشعب الفلسطيني وقيادتهم الشرعية ستسلم وترفع الراية البيضاء، فهذا هو الوهم بعينه، وهذا هو الإفلاس السياسي والعسكري.

كما أن الافتراض بالإيغال في الدم الفلسطيني سينقذ الحكومة المتهالكة، فهو أيضًا عنوان إضافي للوهم. حكومتكم ساقطة لا محالة، بدون تهديد ووعيد مازن غنايم، وطريق الانتخابات باتت مفتوحة، ولن يمكنكم تمرير الموازنة، وطريقكم شائكة ومعقدة، وبالتالي لا تستمرئوا طريق الفوضى والإرهاب، لأنكم ستكتوون به، وأنتم ولا أحد غيركم من سيدفع الثمن. والغرب عمومًا وأميركا البائدة والمترنحة لن تفيدكم، وستترككم لقمة سائغة لدوامة الصراع، لأن أصحاب الأرض والوطن الفلسطيني سيعرفون كيف يحمون وطنهم، ويتجذرون في شعابه وجباله وأوديته وسهوله، وأنتم إلى التيه مجددًا. ولعل حرب أوكرانيا تذكركم بما ستؤولون إليه لاحقًا، لأنها كشفت عوراتكم أكثر فأكثر، وعرت أميركا تحديدًا ومن لف لفها من الغرب. وبالتالي لا خيار أمامكم إلا أحد خيارين لا ثالث لهما: إما الحرب والفناء، وإما السلام الممكن والمقبول.

*المصدر: الحياة الجديدة*