كانت معركة القدس العاصمة الأبدية وما زالت أحد الفصول الأساسية في الدفاع عن الحقوق والثوابت الوطنية، ورغم أن دولة التطهير العرقي الإسرائيلية ترتكب جرائم شتى في عموم الأرض الفلسطينية، لتلقي بغيوم كثيفة أشبه بالقنابل الدخانية للتعتيم على معركة القدس عموما ومسجدها الأقصى خصوصًا، الذي كان وسيبقى مركز الاستهداف للاقتحامات المتوالية لفرض أولا التقسيم الزماني والمكاني لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؛ ثانيًا تدميره؛ ثالثًا إقامة ما يسمى الهيكل الثالث عليه، الذي أكد كل خبراء الآثار الإسرائيليين أن لا وجود له في القدس، رغم الحفريات المتواصلة من 55 عاما خلت، وكل ما قاموا به كان سرقة حجارة من سور المسجد المبارك. وبالتالي إلغاء ما يسمى "الاستاتيكو" ذا الصلة بمسرى الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، ودفن ما يتعلق بالصراع السياسي وفتح جبهة الصراع الديني، وهذا ما يعكسه التحول داخل المجتمع الإسرائيلي، الذي بات يسير بخطى حثيثة نحو الصهيونية الدينية ومشتقاتها المختلفة. 
ومن المظاهر الجديدة والنوعية في تعميق شكل الصراع على المسجد الأقصى، لم يكتفِ أركان الدولة المارقة والخارجة على القانون بفرض الاقتحامات الدورية وشبه اليومية للمسجد بالعشرات والمئات والآلاف لفرض وجودهم في باحاته المباركة، ولم يكتفوا بأداء صلواتهم داخل أروقة المسجد الإسلامي الخالص، وإنما الآن يتجهون لخطوة إجرامية جديدة أعلن عنها رفائيل موريس، زعيم جماعة "العودة للهيكل" يوم الثلاثاء الموافق الخامس من نيسان الحالي باقتحام المسجد الأقصى مساء بعد غد الجمعة، لتقديم "قربان الفصح". ووفق موقع القناة السابعة الإسرائيلية، أكد المستوطن العنصري موريس اقتحامه وجماعته المتطرفة، رغم عدم تجاوب قيادة الجبهة الداخلية مع طلبه لتأمين "تقديم القرابين". 
وحسب القناة المذكورة، فإن قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية رفضت طلب موريس، واعتبرته استفزازا قد يكون له تأثير على الوضع الأمني، ما دعا رفائيل الفاشي لاعتبار إعلان قيادة الجبهة الداخلية بمثابة "دليل آخر على التراخي ضد "الإرهاب"، والخضوع لتهديدات العناصر الإسلامية التي تحرض على "الإرهاب". 
لكن ما ينفي صحة ادعائه برفض قيادة الجبهة الداخلية لجريمته الجديدة، التي أوردتها القناة السابعة، هو سماح تلك الجبهة بمواصلة اقتحامات قطعان المستعمرين وكل مشتقات ومسميات الجماعات الدينية من الحريديم والحريدايم وغيرهم المسجد الأقصى قبل عيد الفصح وأثناءه وبعده، لا سيما أن عيد الفصح اليهودي يتوافق مع منتصف شهر رمضان المبارك. وبالتالي كذبة رفض قيادة الجبهة الداخلية لجريمة موريس، لا تعدو أكثر من تغطية وتضليل للرأي العام الفلسطيني والإسرائيلي والعالمي؛ لأنه لو كان لديها قرار جدي، لاتخذت إجراءات رادعة لوقف جريمة الاقتحامات من حيث المبدأ.
وعليه، يمكن الاستنتاج بأن يوم الجمعة المقبل بمثابة إشعال شرارة حريق كبير يطال المسجد الأقصى وكل العاصمة الفلسطينية، وقد يمتد بالضرورة، وهو في واقع الحال ممتد لكل الأراضي الفلسطينية، وهو يتوافق وينسجم مع ما صرح به وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي، بيني غانتس، عندما قال قبل أيام، إن جيشه مستعد لفتح العديد من الجبهات والمحاربة فيها في آن: الشمال وفي غزة والضفة وداخل الداخل. وهو ما يؤكد أن حكومة بينت/ لبيد وكل مكونات المجموعات واليمينية الفاشية تعمل بخطى حثيثة على إشعال فتيل انتفاضة جديدة لتحقيق أكثر من هدف، أولاً ما ذكرته في مقدمة المقال عن أهدافهم من اقتحامات المسجد الأقصى؛ ثانيًا توسيع وتكثيف انتهاكات وجرائم حرب الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية وقطعان المستعمرين في كل الأرض الفلسطينية ثالثًا وقد يقدم على اجتياحات متزامنة في جنين وقطاع غزة على حد سواء بهدف السيطرة .
ما تقدم يفرض على كل القوى والقيادات السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية الاستعداد للسيناريوهات الإسرائيلية الأسوأ من بعضها البعض، والتي جميعها تصب في زيادة التوتير والعنف الاستعماري ضد أبناء الشعب الفلسطيني. وعلى العالم عمومًا والولايات المتحدة خصوصًا اتخاذ ما يلزم قبل فوات الأوان، لا سيما أن الشعب وقواه الوطنية سيقلب السحر على الساحر، وسيحول قرابين المستوطنين إلى نار تأكل قلوبهم، لذا ليأخذوا قرابينهم ويرحلوا إلى حيث يشاءون عن القدس العاصمة الأبدية الفلسطينية وعن المسجد الأقصى المبارك، وليعملوا من أجل بناء ركائز السلام، وهو الخيار الأفضل والأهم لمستقبل الشعوب.

 

المصدر: الحياة الجديدة