في فجر الجمعة الموافق 9 نيسان من عام 1948، قامت عصابات ليخي وشتيرن الصهيونية وبدعم وإسناد من عصابات البالماخ والهجاناة بارتكاب مجزرة مريعة في قرية دير ياسين، قتل فيها نصف سكان القرية تقريباً (نحو 254 شهيداً). هدفت المجزرة إلى ترويع الفلسطينيين وتخويفهم بهدف إجبارهم على ترك قراهم الفلسطينية، وبالفعل تشير المصادر التاريخية إلى أنه نتيجة مذبحة دير ياسين فقد شرد أكثر من 300 ألف لاجئ فلسطيني في حرب عام 1948.

دير ياسين هي قرية مقدسية مسالمة دفعت ثمن العنصرية المتجذرة في الفكر والممارسة الصهيونية، ففي هذه المعركة اغتصبت النساء، وقتل الرجال والأطفال والنساء، وبقرت بطون الحوامل، وقطعت الرؤوس، ومثل في الضحايا، وحرقت جثث الشهداء، وفجرت البيوت. وكل هذه الفظائع التي ارتكبت بحق المدنيين الفلسطينيين، لم تلحظها صور الصحافة وشهادات المراقبين، حيث أخفيت معالم الجريمة عن العالم أجمع إلى الآن، ولم تسمح الهاجاناة ولا جيش الاحتلال الاسرائيلي لاحقًا بنشر أي صور عن المجزرة. ولكن هذه الجرائم غير الانسانية رويت من قبل شهود عيان سواء كانوا ناجين من أطفال القرية أو من قبل من شارك في هذه الجريمة من قبل العصابات الصهيونية.

إحدى المجدنات في شتيرن تقول إنها لا تستطيع أن تنسى إلى الآن صورة المرأة الفلسطينية التي قطع رأسها وهي جالسة على كرسي في غرفة النوم، وآخر يقول إنه أغمي عليه عندما شم رائحة الجثث التي حرقت بمقربة من شجرة كبيرة في قلب القرية، وروى مجند آخر أنه ما زالت تطارده في أحلامه أشباح الجثث التي أمر بالنوم بينها في فناء "علية" كبيرة في دير ياسين.

أما الناجون من هذه المذبحة من الأطفال الصغار، فقد رووا الكثير من جرائم القوات الصهيونية في قريتهم؛ يتموا واعتقلوا، ثم وضعتهم شاحنات الهاجاناة في باب العامود دون مأوى ودون أهل. تروي هند الحسيني في مذكراتها بأنها طلبت من هؤلاء الأطفال- وعددهم نحو 50 طفلاً- أن يذهبوا الى بيوتهم خوفًا من إصابتهم برصاص الصهاينة، إلا أن أحدا منهم لم يتحرك، وعندما كررت السؤال تقدم اليها أحدهم قائلاً لها نحن أطفال دير ياسين لم يعد لنا بيت ولا أهل، فما كان من هذه العظيمة هند إلا أن احتضنتهم بقية حياتها ووفرت لهم ملجأ ومدرسة وحياة كريمة.

يقول المؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي إن الارهابيين الصهاينة قاموا بهذه المجزرة على الرغم من أن قرية دير ياسين كانت قرية هادئة ويوجد اتفاق عدم تعدي بين "غيفعات شاؤول" (المستعمرة الأقرب إلى دير ياسين) وبين مختارها، والقرية لا تشكل أي خطر أمني على المستعمرات الصهيونية. ويسرد الخالدي شهادات حية من الناجين من القرية مشيرًا إلى أن بريطانيا الدولة المنتدبة حينها لم تفعل شيئاً لحماية الفلسطينيين، كما أنها لم تقم بمحاسبة من ارتكب هذه المجزرة.

وبعد أكثر من 74عامًا على ذكرى مجزرة دير ياسين أو كما أسميها "الهوليكوست الفلسطينية"، ما زلت أعلمها لطلبتي في مساقات القضية الفلسطينية في كل فصل دراسي، وأصر على تعليمها كمقدمة للنكبة. فدير ياسين موجودة حتى هذه اللحظة فينا جميعًا؛ في القدس، وفي مخيم الدهيشة، وفي جنين، وفي كل مكان على هذه الأرض الفلسطينية العربية. وذلك لأن الصهاينة ما زالوا يمارسون ما فعلوه في هذه المجزرة في كل مكان ضد الشعب الفلسطيني، وبنفس الوسائل والايديولوجيا. فقد وقعنا معهم اتفاق سلام "أوسلو" فخانوه وعاثوا في أرضنا فسادًا، قتلوا الأطفال واعتقولهم، حرقوا الأسر الفلسطينية أحياء، فجروا بيوت المدنيين، طردوا العائلات الفلسطينية في الشيخ جراح والأغوار وغيرهما، سلبوا ثرواتنا وسرقوا البيوت التي اقتحموها، انتهكوا حرمة نسائنا ومقدساتنا.. فعلوا كل هذا لأننا فلسطينيون عرب، لأننا غير صهاينة، هي فعلاً كانت وما زالت سياسة فصل عنصري وسياسة تطهير عرقي. وللأسف، فإن العالم ما زال صامتاً على كل هذه الجرائم تماماً كما فعل أيام مذبحة دير ياسين! فيا للعار.

المصدر: الحياة الجديدة