يُعّرفُ المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، السياسة، بأنها راهن متحول، وهذا يعني أن السياسة لا تحتمل مواقف مطلقة، وثابتة ونهائية، وكلما قرأنا تصريحات لرئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت عن مناهضته لاتفاقيات أوسلو، وأنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية (...!!!) أدركنا وبوضوح أن "بينيت" لا يعرف شيئاً لا عن حقيقة السياسة وطبيعتها فحسب، وإنما لا يعرف شيئاً عن طبيعة التاريخ وحتمياته التي لا مفر منها، وأكثر من ذلك فمن الواضح أنه لا يذاكر جيدًا في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولو فعل واجتهد لأدرك المتغيرات التي حصلت في هذا الصراع، ومنها سقوط النكران الإسرائيلي للحقيقة الفلسطينية، والرقم الفلسطيني الصعب، والتحولات التي حدثت بسبب ذلك في لغة السياسة الإسرائيلية ذاتها، فبعد أن كانت هذه اللغة، تصف منظمة التحرير الفلسطينية، قبل أوسلو بسنوات كثيرة، بأنها منظمة مخربين (...!!) راحت في أوسلو تتحدث إليها، بكونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأن للصراع طريقًا وحيدة لإنهائه عبر مفاوضات السلام، الذي يؤمن قيام دولة فلسطين ويرد للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.
وبكلمات أخرى لاءات إسرائيلية كثيرة تهاوت بفعل ثبات النضال الوطني الفلسطيني، وقدرته التي تأسطرت في استجابته للتحديات الاستراتيجية، وتخطيه لأصعب مراحله وأعقدها، وإسقاطه لأخطر المؤامرات التي سعت للنيل من إرادته الحرة، وقراره الوطني المستقل.
رئيس الحكومة الإسرائيلية يظن، بل ويتوهم أنه المحور الذي تدور من حوله كل الأشياء، وأنه المقرر لمصيرها ...!! وبنكران جديد يعلن مطلقات لا معنى لها، ولا يمكن أن تتحقق ولا حتى بحظ مطلق.
والواقع, للواهم أن يقول ما يريد من حكايات أوهامه، وثمة حكاية قديمة عن بائعة لبن، ظلت تتوهم طوال طريقها إلى السوق، لتبيع ما حملته من لبن في إناء على رأسها، بأنها ستبيع بثمن مجزٍ، وستشتري بهذا الثمن، ما تريد من حاجات، وتحقق ما تريد من رغبات، وظلت طوال الطريق تتوهم وتغني أوهامها، حتى تعثرت بحجر على الطريق، فسقط الإناء من على رأسها، وانسكب اللبن كله على الطريق، فلم يبق لها شيء لتبيعه وتبخرت أوهامها جميعا فوقعت صريعة الحسرة التي كادت تأتي على قلبها، وقد عادت كما يقول المثل عندنا "إيد من ورا، وإيد من قدام" لرئيس الحكومة الإسرائيلية أن يكون أذا ما أراد كمثل بائعة اللبن، فهذا شأنه،  لكن حين ينسكب لبنه على الطريق فلا يلومن أحدا، وسوف ينسكب لا محالة وتتبخر أوهامه عن منعه قيام دولة فلسطين، وعاصمتها القدس الشرقية، لأن مشروع التحرر الوطني الفلسطيني ماضٍ في دروبه حتى إعلاء رايات الدولة على أسوار القدس، وأبراج مآذنها وكنائسها، وبمعنى آخر وأخير قرار المصير قرارنا، لا قرار "بينيت" والمشيئة، بعد مشيئة الله عز وجل، هي مشيئة شعبنا بقيادته الوطنية الأمينة والشجاعة، وبفرسان نضاله البواسل الذين باتوا يتمايزون اليوم في دروب المقاومة الشعبية، وعلى رأي الزعيم الخالد ياسر عرفات يا جبل ما يهزك ريح.

المصدر: الحياة الجديدة