حدد سيادة الرئيس أبو مازن الرؤية الفلسطينية لليوم التالي للحرب بالوقف الشامل والدائم لإطلاق النار، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإغاثية بدون شروط، ووقف إجراءات التهجير القسري، وعودة النازحين إلى مناطق سكنهم، وحماية الأونروا وتوفير الدعم لها، وتوفير الحماية الدولية للفلسطينيين، وممارسة دولة فلسطين ولايتها الكاملة في القطاع والمعابر الحدودية، وإعادة إعمار قطاع غزة وإنعاش الاقتصاد وتحميل دولة الاحتلال مسؤولية ذلك، ووحدة جميع الأراضي الفلسطينية تحت سلطة دولة فلسطين، وإجراء انتخابات عامة وتشكيل حكومة فلسطينية وفقًا لنتائج هذه الانتخابات، وحصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، والتنفيذ الكامل لفتوى محكمة العدل الدولية، بما يؤدي لإنهاء الاحتلال خلال اثني عشر شهرًا، وعقد مؤتمر دولي للسلام تحت إشراف الأمم المتحدة خلال عام لتنفيذ حل الدولتين وفقا للمرجعيات الدولية، واعتماد قوات حفظ سلام دولية بين دولة فلسطين وإسرائيل.

ويبقى السؤال الرئيسي هنا: ما هي الأدوات الضاغطة التي يمتلكها الفلسطينيون لتطبيق الرؤية الفلسطينية لليوم التالي بعناصرها التي حددها الرئيس محمود عباس "أبو مازن" في كلمة دولة فلسطين التي ألقاها مساء الخميس الماضي أمام الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة؟ وبصيغة أخرى، ما هي الاستراتيجية الفلسطينية التي تمنح الرؤية الفلسطينية الفرصة للخروج إلى حيز التنفيذ؟

تستند الاستراتيجية النضالية الفلسطينية على أربعة مرتكزات أساسية: شرعية الحق الفلسطيني وشرعية تمثيله، والصمود الفلسطيني مقترنًا بالمقاومة الشعبية المستمرة، والاشتباك الدبلوماسي على الساحة الدولية، والعمق العربي للقضية الفلسطينية.

- أولاً: شرعية الحق الفلسطيني وشرعية تمثيله: تستند شرعية الحق الفلسطيني إلى "الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين وتضحيات أجياله المتعاقبة دفاعًا عن حرية وطنهم واستقلاله وانطلاقًا من قرارات القمم العربية، ومن قوة الشرعية الدولية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ العام 1947".

وتستند شرعية التمثيل الفلسطيني بالاعتراف الشعبي الفلسطيني والاعتراف العربي والدولي الذي تحظى به منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاعتراف بمكانتها ومنحها مقعد "مراقب" في الأمم المتحدة وحق التحدث باسم الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، يضاف إلى ذلك المكانة التي تتمتع بها دولة فلسطين في الأمم المتحدة بصفة "عضو مراقب"، والاعتراف الواسع الذي تتمتع به على الصعيد الدولي، حيث تعترف 149 دولة بدولة فلسطين، أضف إلى ذلك أن القيادة الفلسطينية التي تتولى قيادة التمثيل الشرعي الفلسطيني جاءت عبر صناديق الاقتراع الفلسطينية.

- ثانيًا: الصمود الفلسطيني مقترنا بالمقاومة الشعبية المستمرة: إن تمسك الشعب الفلسطيني بالمقاومة الشعبية أداة للتعبير عن رفض الاحتلال، ومقاومة مشاريعه الاستعمارية، واستمرار صموده وثباته على أرضه يمثل عمود الخيمة للنضال الفلسطيني وصولاً إلى الدولة الفلسطينية المستقلة. حيث باءت سياسات الاحتلال في تضييق سبل العيش على الشعب الفلسطيني بهدف الوصول إلى تهجيره عن أرضه بفشل ذريع، حيث بلغ في العام 2024 عدد الشعب الفلسطيني القاطن داخل فلسطين التاريخية نحو 7.4 مليون فلسطيني منهم نحو 5.6 مليون فلسطيني في دولة فلسطين.

- ثالثًا: الاشتباك الدبلوماسي على الساحة الدولية: تقود القيادة الفلسطينية اشتباكًا نضاليًا ضاريًا على الساحة الدولية مع الاحتلال الإسرائيلي على العديد من الأصعد: الاشتباك على ساحة المنظمات الدولية والذي تم من خلاله تحقيق اختراقات هامة بالتمثيل الفلسطيني وشرعيته، واستصدار القرارات الدولية وقرارات المحاكم الدولية المؤيدة للحق الفلسطيني. أما الاشتباك على ساحة الدول والذي دفع باعتراف غير مسبوق بالحق الفلسطيني والدولة الفلسطينية من طرف الغالبية الساحقة لدول العالم (تعترف 149 دولة بدولة فلسطين). والاشتباك على ساحة الرأي العام الدولي والذي يدفع نحو عزل دولة الاحتلال وسياساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، وهو اشتباك من الأهمية بمكان أن يتم تعزيزه بدبلوماسية شعبية تقودها فصائل العمل الوطني الفلسطيني والمؤسسات التمثيلية للشعب الفلسطيني والاتحادات الشعبية الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني للدفع بالرأي العام العالمي للتحول إلى أدوات ضاغطة على الحكومات بهدف إنتاج مزيد من الضغط على المنظومة الدولية وعلى دولة الاحتلال للإقرار بالحق الفلسطيني والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة.

- رابعًا: العمق العربي للقضية الفلسطينية: إن الانتماء العروبي للقضية الفلسطينية مع الحفاظ على القرار الوطني الفلسطيني المستقل، ومع ما تمتلكه الدول العربية من أدوات قوة، تتمثل بقوة وأهمية النفط والغاز العربي، والسيطرة العربية على ممرات ومعابر رئيسية للتجارة الدولية يشكل رافعة أساسية للنضال والصمود الفلسطيني، ويوفر أدوات ضاغطة على دولة الاحتلال وعلى حليفها الاستراتيجي الولايات المتحدة من خلال ما تمتلكه من علاقات اقتصادية وعلاقات دبلوماسية تربط بعضها بدولة الاحتلال وتربطها جميعًا بالولايات المتحدة الأميركية، ينتج مزيدًا من الضغط للإقرار بالحق الفلسطيني.

إن الإعلان السعودي الأخير بإقامة التحالف الدولي من أجل إقامة الدولة الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين، والذي جاء نتاجًا لجهد أوروبي وعربي مشترك، سيضمن تحركًا جماعيًا في اتخاذ خطوات عملية ذات أثر ملموس للدفع باتجاه الوقف الفوري للعدوان على الشعب الفلسطيني وتنفيذ حل الدولتين، وصولاً لتحقيق مسار موثوق ولا رجعة فيه لسلام عادل وشامل يكون فيه قيام الدولة الفلسطينية المستقلة حق أصيل وأساس للسلام، وهو ما يمثل الحل الأمثل لكسر حلقة الصراع والمعاناة.

إن شعبًا قرر مع قيادته الصمود على أرض وطنه حتى النصر أو الشهادة، يخوض معركة تحرره الوطني، متسلحًا بحقه الطبيعي والتاريخي والقانوني في إقامة دولته، مستندًا على دعم ومساندة مئات ملايين العرب شعوبًا وحكومات، ودولته تحظى باعتراف الغالبية الساحقة لدول العالم، حتمًا هو شعب يمضي في طريقه نحو النصر.