الإدارة الأميركية، إدارة الرئيس بايدن، تتعامل بسلبية مع أزمات الشرق الأوسط، وخاصة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والقضية الفلسطينية، وهي تتحاشى ولا تريد الانخراط بأي جهد لحل هذه الأزمات وبالتحديد المشكلة الأقدم والأعقد في المنطقة، ألا وهي القضية الفلسطينية.  

على ما يبدو أن بعض واضعي الإستراتيحيات في واشنطن باتوا يعتقدون أن الولايات المتحدة لم تعد مضطرة كما في السابق لإضاعة الوقت والغوص في أوحال الشرق الأوسط، لأنها باتت مكتفية ذاتيًا من الطاقة، فلم تعد تعتمد كما كانت على بترول الشرق الأوسط، بالإضافة، على ما يبدو، إلى حاجة الولايات المتحدة لتركيز جهودها لكبح جماح التنين الصيني، الذي بات يهدد مكانة واشنطن في قيادة العالم.
تجاهل الولايات المتحدة لأزمات الشرق الأوسط كمن يدفن رأسه بالرمال، ولدولة بحجم أميركا، وبحجم دورها على الساحة الدولية، فإن دفن الرأس بالرمال لن يفسر إلا أنه تعبير عن ضعف وانسحاب من منطقة هي الأهم من الناحية الجيوسياسية. ولو افترضنا أن الأولوية الآن هي للصراع مع الصين، فإن أي انفجار كبير في الشرق الأوسط هو بمثابة ضربة قوية في خاصرة جسد النفوذ الأميركي الممتد إلى الشرق الاقصى.
في النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين، بعد حرب فيتنام، وخروج الولايات المتحدة مهزومة عسكريًا ومستنزفة اقتصاديًا، في حينها وجد وزير الخارجية هنري كيسنجر، أن التعويض هو في دبلوماسية أميركية نشطة في الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى من العالم، وكذلك بهدف إظهار أن واشنطن لن تتخلى عن دورها كدولة عظمى. وبالفعل حقق كيسنحر إنجازات لم تحققها القوة العسكرية، وكان أكبر إنجاز يسجل له هو إعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط بعد حرب عام 1973 بين مصر وسوريا من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، فقد نجح هذا الثعلب في وضع أسس لشرق أوسط جديد.
واليوم، وبعد أن انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان، بعد حرب استمرت عشرين عامًا وكلفت 2 ترليون دولار، لم نلاحظ أي نشاط دبلوماسي، بل على العكس، هناك انكفاء وانسحاب أميركي ملحوظ عن الساحة الدولية، وليس من الشرق الأوسط فقط. صحيح أن هناك جهدًا سياسيًا وعسكريًا أميركيًا انتقل إلى المحيط الهادي وبحر الصين، ولكن مثل هذا الإهمال للشرق الأوسط قد يكلف أميركا كثيراً في المستقبل، فالمنطقة تغلي، وقد تنفجر فيها الأوضاع في أية لحظة. كما أن الأحداث أثبتت أكثر من مرة أن غياب الحل للقضية الفلسطينية كان سببا في تفريخ أزمات جديدة أو تغذية أزمات أخرى في الشرق الأوسط، والغريب بأمر العالم أن الجميع يدرك هذه الحقيقية، ولكن لا أحد يسعى جديا لإيجاد حل عادل للقضية.
إن منطقة مثل الشرق الأوسط لا تكمن أهميتها بوجود مصادر الطاقة بالرغم من أهمية ذلك،  وإنما بموقعها الذي يتوسط العالم، وبما فيها من ممرات مائية إستراتيجية، وهي الموزع للنقل الجوي المدني والعسكري، لذلك فإن واشنطن، الأكثر إدراكًا لهذه الاهمية، لا تنكفئ عن المنطقة إلا لأنها مجروحة تمر في لحظة ضعف، ففي كل العقود الماضية، كانت للولايات المتحدة أولويات أخرى في العالم، ولكن لم تترك الشرق الأوسط يومًا. 
الهروب إلى الأمام ودفن الرأس بالرمال لن يقود إلا إلى تفاقم الأزمات وليس حلها، ولكن الأهم ألا تنخرط واشنطن في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بالمنطق القديم، وهو المنطق الذي لا يرى الأزمات في المنطقة إلا من منظور إسرائيلي، فالشرق الأوسط يزداد اشتعالاً بسبب السياسة الأميركية المنحازة لدرجة العماء لإسرائيل. 
بالنسبة للقضية الفلسطينية، فقد سمع الشعب الفلسطيني الكثير من الكلام المعقول من إدارة بايدن، واستبشرنا خيرًا، سمعنا الكثير من الوعود، إلى درجة أننا روجنا لأن هذه الإدارة تختلف كثيرًا عن إدارة المتعجرف والمعادي للقانون الدولي ترامب. وقلنا إن إدارة بايدن تسعى إلى إعادة أنسنة السياسة الأميركية وجعلها أكثر عدلاً، ولكن في الممارسة لم نجد ما هو مختلف، واستمر العمل بشعار ترامب "أميركا أولاً". 
الشعب الفلسطيني عانى من الظلم وإنكار الحقوق لأكثر من قرن، وخلال ذلك سمع كلامًا مرًا وآخر حلوًا، وسمع وعودًا كثيرة، لكنه بعد كل هذا الزمن هو اليوم في وضع أكثر سوءًا من أي وقت مضى لذلك لم يعد يصدق الأقوال وإنما يريد الأفعال. هم ينتظرون أن ننهار وننتهي من تلقاء أنفسنا، ولكن هذا لن يحدث، الشعب الفلسطيني جذوره قوية في هذه الأرض وهو لن يستسلم، لذلك لن ينتهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بل هو، وفي وقت ليس بالبعيد، سينفحر  في وجه هذا العالم الأصم، الذي يستسهل بالفعل أن يدفن رأسه بالرمال.

المصدر: الحياة الجديدة