منذ أن نجح (هيرتزل) في عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال بسويسرا، ارتسمت على مدار العالم معركة كبرى بين خرافة انحازت لها القوى الاستعمارية في العالم، وهي القوى الأكثر قوة في عصرها وأولها بريطانيا ثم أميركا التي كانت مستعمرة بريطانية ثم ورثت بريطانيا، وغيرها من مكونات الحقبة الاستعمارية التي نتج عنها ممارسات من البشاعة والانحطاط الاخلاقي غير المسبوق، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك من بينها أن بريطانيا خاضت حرباً ضد الصين ذات الحضور القوي الآن التي يحسب لها الجميع حسابًا جادًا لا يمكن إنكاره، على خلفية حرية التجارة الدولية، التي كانت تعني أن من حق التجار البريطانيين أن يمارسوا تجارة الأفيون بحرية في الصين دون حسيب أو رقيب، وكان ظهور الحركة الصهيونية في عام 1897على يد هيرتزل والترحيب بها من قبل القوى الاستعمارية الكبرى.

حدود تلك المعركة ما زالت مستمرة بين أقوياء يرون أن مصالحهم تسوغ لهم أنهم على حق في كل ما يفعلونه، حتى لو كان الاتجار بالأفيون، حتى لو كان نسج خرافة كاذبة في كل مرتكزاتها الدينية والتاريخية والأركيولوجية، ولكن الخرافة يريدها الصهانية، ومن يقف معهم على الباطل ضد أصحاب الحق المؤبت في التاريخ، وهو الحق الفلسطيني ضد الخرافة الصهيونية المخترعة، بحيث إن أصحاب تلك الخرافة لا يرون إلا أنفسهم فقط وحقهم فقط، وسقوطهم الأخلاقي فقط، وتلفيق الأكاذيب وإحاطتها بأعراس الرقص والتعري وهي أعراس التطبيع، وآخر مثال على ذلك، أن قائد التحالف الإسرائيلي يائيرلبيد الذي شكل الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة نفتالي بينيت يقول إن افتتاح القنصلية الاميركية في العاصمة الفلسطينية الأبدية القدس الشرقية سيؤدي إلى إسقاط هذه الحكومة، ولذلك على أميركا أن تمتنع عن فتح قنصليتها في القدس.

لم يجرؤ أحد لا في إسرائيل ولا في أميركا على القول إن القنصلية الأميركية كانت موجودة في القدس قبل قيام إسرائيل، وإن الخوف من سقوط الحكومة الإسرائيلية لا يبرر هذا الإحجام الأميركي من فتح قنصليتها في القدس، ولكن الخرافة الصهيونية لها أتباع أكثر من أتباعها اليهود أنفسهم، ولكن من يتابع نشوء الحركة الصهيونية منذ نشأت، سيجد أنه قد آن الأوان لتفكيك هذه الخرافة الصهيونية بما فيها حلفها الاستعماري والإمبريالي، وأن الشعب الفلسطيني في نضاله الصلب المتصاعد هو ومؤيديه يتحملون مسؤولية هذا الدور رغم الصعوبات الخارقة التي تواجههم، وأن زمنا جديدًا من السلام القائم على العدل سينشأ نتيجة تفكيك هذه الخرافة، وشعبنا يعرف ما هي أولوياته لتحقيق هذا الهدف، وأهمها صموده وبقاؤه في وطنه، ووحدته التي لم تستطع حركة الاستعمار ولا الحركة الصهيونية أن تجعل الشعب يتخلى عن وحدته الثمينة ولا أن يصدق المفروضات التي يسمعها من الضالين.

روايتنا الفلسطينية عادلة وصحيحة وصلبة، لأن الذين يرونها هم الشعب الفلسطيني الذي تعرض للقتل المجاني حتى ينسى حقوقه فازداد تشبثًا وصلابة وكفاحًا، وهو من خلاله صموده وتمسكه بروايته إنما يقدم للعالم نموذجا يحتذي به، تخيلوا ماذا كان سيحدث لو أن هذا الشعب بقيادته الشرعية تراخي في سعيه لينال حقه، وتخيلوا ما كان سوف يحدث لو أن هذا الشعب، فقد إيمانه بحقه؟ لو حدث ذلك لأصبحت كثير من شعوب الأرض يتيمة منكسرة، لكن بصمود شعبنا أصبح للحرية عنوان ثابت هو أن تكون مع فلسطين بوعي أمتها الثابت، بقدرتها على خوض المعارك دون انكسار.