كم كان الخبر مؤلمًا وقاسيًا على كل فلسطيني وكل إنسان حر في هذا العالم، خبر وفاة سهى إبنة المناضلة الوطنية خالدة جرار، خبر مفجع يقدم نموجًا للظلم الصارخ الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ وعد بلفور عام 1917. ليس هناك أكثر ألمًا وقسوة من فقدان الأم لابنتها  أو إبنها وهم في ريعان الشباب، فما بالكم أن تكون هذه الأم أسيرة في معتقل الأعداء. في معتقل العدو الصهيوني الفاشي، الذي لا شغل له سوى التنكيل بالشعب الفلسطيني، في محاولة يائسة منه لإخضاعنا وأن نقبل بإلغاء وجودنا. خالدة جرار تلخص صلابة وقوة وصمود الشعب الفلسطيني، في مثل هذه اللحظة وهي تواجه فاجعتها بالصبر الجميل.. صبرها الذي هو شكل من أشكال التحدي للاحتلال وسجانيه، هي لا تقدم نموذجاً للنساء في بلادنا فقط، بل هي نموذج نضالي عام يمثل الرجال والنساء معًا. لم تكن خالدة ترغب أو تريد أن تكون معتقلة محرومة من الحرية، ولم تكن ترغب ولا تريد فقدان إبنتها  وهي في زنزانة معتمة، ولكن قدرها أنها فلسطينية، ولأنها ترفض الرضوخ للمحتل، فقام بتكرار  اعتقالها. وهي في المعتقل لأنها تناضل من أجل حرية شعبها، ومن أجل فكرة الحرية والتحرر  والتحرير، هذا النمط من النضال الإنساني يستحق الثناء لا الاعتقال. لا أدعي أنني أعرف خالدة جيدًا.. قابلتها في المجلس التشريعي عدة مرات بحكم طبيعة عملي في حينه، تبادلت معها الحديث حول هموم الوطن والمواطن، كنا نختلف ونتفق والاتفاق كان هو الطاغي. ما يميزها حيويتها ونشاطها، كانت تتنقل من اجتماع لآخر بحيوية لافتة، كانت على محاور الاشتباك مع قوات الاحتلال، وفي الداخل تناضل من أجل الحكم الرشيد، فالنضال ضد الاحتلال يحتاج نضالاً موازيًا من أجل حرية المرأة وحرية الرأي والتعبير، وإقرار قوانين عصرية تكفل تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية. وما يميزها تواضعها وانحيازها الدائم للوحدة الوطنية، ولأن بوصلتها لا تحيد عن العدو الرئيس، هي في معتقله الآن. عندما قرأت الخبر الصاعق والصادم، حزنت كثيرًا وغضبت أكثر ولعنت هذا العالم الظالم، كيف يمكن أن يقبل أن يعتقل البريء صاحب الحق ويبقى المجرم الغاصب حرًا طليقًا لا يحاسب وتتم تغطية جرائمه. عندما سمعت الخبر سمعت نبرة صوت خالدة في أذني كأنها تحدثني، أنها استصراخ يرفض خيانة العالم لإنسانيته، وقلت إذا لم يقم المجتمع الدولي بما يجب القيام به  من أجل إطلاق سراح خالدة، وكل أسرى الحرية، فإنه كمن يدمر ذاته، فما قيمة البشر بدون الحرية والعدالة، وما قيمة البشر بدون حد أدنى من العدالة والإنسانية؟. الشعب الفلسطيني موحد اليوم من أجل حرية خالدة جرار وحقها في إلقاء النظرة الأخيرة على إبنتها الفقيدة. ربما حققت هذه المناضلة ما نحتاجه من وحدة وتضامن في وجه العدو المتغطرس، العدو العنصري. لنجعل من المأساة فرصة للمراجعة والنظر إلى كوننا شعباً كله يعاني، كله تحت الاحتلال أو مشردًا في الشتات، الوحدة هي سلاحنا الأمضى في مواجهة الظلم .. مواجهة المشروع الصهيوني والذي هو ضدنا كلنا بلا استثناء. كلنا قابضون على الجمر، ومع الشعور بالوجع الجماعي ندعو بصوت واحد موحد وقوي: الحرية للمناضلة خالدة جرار ولكافة أسرانا الأبطال.