تعتبر محكمة العدل العليا في إسرائيل أعلى سلطة قضائية تتوجه إليها المؤسسات والجماعات والأفراد عندما تضيق بهم السبل وعندما لا يجدون الحلول الكافية لمشاكلهم الإنسانية والاجتماعية والسياسية، وقد اسُتخدمت هذه المحكمة لعقود طويلة كغطاء قضائي تتذرع به إسرائيل أمام المحاكم الدولية التي يمكن أن تنظر لتظلمات الشعب الواقع تحت الاحتلال والتمييز وبقيت هذه المحكمة كخيار أخير يلجأ إليه كل صاحب شكوى على أمل أن يجد أذنًا صاغية أو عينًا متفحصة للظلم الأكيد الواقع عليه من قبل دولة الاحتلال وجيشها والمستوطنين المدعومين منها. غير أن اليمين الفاشي في إسرائيل بدأ بالعمل على تغيير قواعد الدولة، وقام ضمن خطة واضحة بالضغط المتواصل على الجهاز القضائي الذي رضخ واستسلم أمام هذا المد اليميني المتواصل فأصبح أكثر من ثلثي القضاة في هذه المحكمة من المحسوبين على اليمين الديني الصهيوني، ما جعل هذه المساحة المتبقية أمام الفلسطينيين في الداخل والفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال في التوجه إليها تحت السيطرة اليمينية. ومن أبرز المظاهر على هذا الانحياز الأعمى هو القرار الأخير المتعلق بقانون القومية الإسرائيلي، هذا القانون الذي عارضه الكثير من الإسرائيليين أنفسهم على اعتبار أنه أعلى درجات العنصرية والذي يقسم مواطني الدولة بطبقات متمايزة تتمتع إحداها بكامل الحقوق بينما لا يحق لغيرها المطالبة بأي حقوق سياسية أو ثقافية أو إنسانية وقد وقف ضد إسقاط هذا القانون عشرة قضاة ولم يعترض إلا القاضي العربي الوحيد في هذه المحكمة فهو القانوني المتمرس الذي يعلم جيدا مخالفة هذا القانون لمختلف القواعد القانونية والإنسانية الدولية، هذا الموقف غير القانوني وغير الإنساني من أعلى جهة قضائية في إسرائيل يعتبر امتدادا لعشرات المواقف والقرارات الظالمة للمواطنين العرب داخل إسرائيل وللفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال والمعرضين يوميا لجرائم الجيش الإسرائيلي والمستوطنين المحميين من هذا الجيش، فالفلسطيني الذي لا يمتلك شيئًا لا يجد إلا التوجه لهذه الجهة القضائية التي تمثل حق الحاكم والجلاد، وهي لا تنظر بأي نوع من الإنسانية للحالة الصعبة والمعقدة التي يعيشها الفلسطيني، فهي لا تقدم له حلولا فعلية وبنفس الوقت هي جهة تستغلها إسرائيل لتقول للعالم وخاصة للمحاكم الدولية إنها تنظر لكل القضايا التي تقدم إليها بلا استثناء، بينما هي فعليًا لا تنظر لحقوق الفلسطينيين ولا تناصر قضاياهم بنسبة واحد بالمئة وهذا مثبت في كل القضايا المقدمة لهذه المحكمة التي تمثل بالفعل الاحتلال وكل إجراءاته القمعية.