فتح ميديا - لبنان

جلعاد شاليط، اسم يتكرر منذ أكثر من خمس سنوات في كافة المحافل العربية والدولية، هو الأسير الإسرائيلي الذي تم أسره من قبل حركة حماس وجيش الإسلام وألوية الناصر صلاح الدين في قطاع غزة وحجزه لمدة خمس سنوات للوصول الى صفقة تبادل مع اسرى فلسطينيين عادلة. وجاءت الصفقة وتوجت بالاتفاق على إطلاق سراح 1027 أسيراً وأسيرة فلسطينيين من سجون الاحتلال، ونصت الصفقة على ان تنفذ على مرحلتين، يتم بموجبها الإفراج عن 477 أسيراً وأسيرة في المرحلة الأولى وإبعاد بعضهم خارج الوطن او داخله الى قطاع غزة، ويبقى تنفيذ المرحلة الثانية الى ما بعد شهرين من المرحلة الأولى، بحيث يبقى الخيار للمعيار الإسرائيلي باختيار الأسرى الموجب الإفراج عنهم في المرحلة الثانية والبالغ عددهم 550 أسيراً.

تمت المرحلة الأولى بالإفراج واستقبل الرئيس ابو مازن وأعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وأعضاء من اللجنة المركزية لحركة فتح  استقبلوا الأسرى المحررين متمنين الإفراج عن باقي الأسرى في السجون الإسرائيلية، مؤكدين وعلى لسان الرئيس ان هناك اتفاقا بيننا وبينهم (الإسرائيليين) على الإفراج عن دفعة أخرى مماثلة لهذه، ولذا نطالبهم بأن يفوا بعهدهم اذا كان عندهم عهد مسؤول. وكان الأسرى المحررون الذين أفرجت عنهم سلطات الاحتلال يوم الثلاثاء 18/10/2011، وصلوا إلى مقر الرئاسة واستهلوا وصولهم بقراءة الفاتحة على روح الشهيد الراحل ياسر عرفات.

ارواح تتوق الى الحرية

دعاء زياد جميل جيوسي إحدى الأسيرات المحررات تبلغ من العمر ثلاثين عاما من مدينة طولكرم، مكثت في السجون الإسرائيلية أكثر من عشر سنوات حيث اعتقلت من بيتها في حزيران عام 2002 بتهمة الانتماء لـ ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” ومساعدة استشهادي من الشعبية في تنفيذ عملية استشهادية في ناتانيا أدت إلى قتل وجرح عدد من الإسرائيليين، وقد تعرضت لصنوف مختلفة من التعذيب القاسي، ومن ثم صدر بحقها حكمٌ بالسجن الفعلي المؤبد ثلاث مرات بالإضافة إلى 32 عاماً أي (329 عاماً)، تقول دعاء "لم اصدق انه تم إطلاق سراحي وهذا يوم فرحة كبير لي ولكافة الأسرى فانا لا استطيع أن أصف السعادة التي تغمرني جراء إطلاق سراحي من السجون إن هذا اليوم هو يوم انتصار حقيقي للشعب الفلسطيني بأكمله، وأنا شخصيا سعيدة جدا بالإفراج عني من السجون الإسرائيلية وأتمنى أن يطلق سراح باقي المعتقلين من السجون قريبا". وأكدت دعاء  أن الأسيرات عانين الكثير في السجون وخاصة الأسيرة آمنة منى عميدة الأسيرات الفلسطينيات التي تقضي حكما بالمؤبد وهي من مواطني مدينة القدس والتي تم إبعادها إلى خارج الوطن، واصفة قرار الإبعاد بالجائر فقد قامت قوات الاحتلال بمصادرة كافة أوراقها الثبوتية قبل إبعادها، ونقلت جيوسي مناشدة عن لسان الأسيرة المبعدة آمنة لكافة المسؤولين في السلطة الفلسطينية من أجل التدخل لحل مشكلتها وإعادتها إلى ذويها ووطنها.

وتصف دعاء فترة سجنها "كانت ظروف الأسر قاسية جدا فمنذ اعتقالي من المنزل قبل عشر سنوات صادفت خلالها والأسيرات الأخريات الأمرّين من جنود ومجندات الاحتلال، من تعذيب وتنكيل واهانة الا اننا لم نتنازل او نرضخ وهذا الإفراج هو ثمرة صبرنا وإصرارنا وإيماننا بأن السجن لن يطول واننا منتصرون في النهاية".   

فرحة لم تكتمل

الحاجة ام جميل وهي والدة الأسيرة المحررة دعاء الجيوسي، تعبر عن فرحتها وانتظارها الابنة الوحيدة لديها بتزيين المنزل بالصور والورود وإعداد الطعام الذي تحبه دعاء، بانتظار عودة الابنة الغائبة منذ عشر سنوات إلى المنزل وبدموع الفرح هذه المرة، تقول الحاجة ام جميل "كنت أراها مقيدة بالسلاسل وعندما ابكي كانت تقول ولا يهمك يما نحنا اقوى منهم ما تخافي"، اليوم انتهت هذه المعاناة وستكمل دعاء دراستها في الجامعة وتعود الى الحياة الطبيعية التي تستحقها.  

وتُعدّ الأسيرة المحررة  دعاء من بين خمس أسيرات حكم عليهن بالسجن المؤبد مثل أحلام التميمي والتي أبعدت الى الأردن  وقاهرة السعدي  وآمنة منى المبعدة التي كان من المقرر إبعادها الى القطاع الا انها رفضت الرضوخ لاملاءات الإسرائيليين والتوجه الى الأردن كي تستطيع التواصل مع أهلها المقدسيين وأيضا سناء شحاذة. 

بدورها، لم تصدق عائلة الاسير نزار التميمي نبأ الإفراج عن ولدها ضمن صفقة التبادل مع شاليط الإسرائيلي. نزار المحكوم بالسجن مدى الحياة امضى ثمانية عشر عاما في السجن وخلف القضبان ولم يكن يحلم بان حلم الحرية قادم. يعرب الأسير المحرر نزار تميمي عن شعوره "بالفخر والاعتزاز والامتنان لله بخروجي من الأسر والفرحة العارمة بلقاء أحبتي وأهلي بعد طول غياب وأهنئ نفسي والأسرى المحررين بهذا النصر والإفراج، وهذا يوم فرح وحزن لشعبنا فرح عارم بخروجنا وتحررنا ويوم حزن لبقاء أخوة لنا خلف القضبان وأقول لبقية أخوتي الأسرى بأنكم همنا الآن وشغلنا الشاغل وبإذن الله سيكون مشروع حريتكم قريباً وأتمنى لهم حياة قصيرة وسالمة خلف القضبان والإفراج العاجل وأن يتحقق حلمنا وحلمهم في الحرية و أقول لهم المزيد من الصبر والمزيد من التحمل فهم رجال الشدائد والعزائم".

ووجه التميمي رسالة الى القيادة الفلسطينية قائلا "بأن المسؤولية الملقاة عليكم كبيرة ويجب بذل كل الجهد المستطاع حتى يخرج كل الأسرى من سجون الاحتلال وأتمنى أن يكون هذا العام عام الحرية للجميع وأن لا ينتهي العام إلا بخروج كافة الأسيرات والأسرى".

 

عروسان مع وقف التنفيذ

ولنزار قصة تروى مع ابنة عمه الأسيرة المحررة أحلام التميمي  فما أن أعلنت أخبار إتمام صفقة التبادل بين حماس وإسرائيل حتى بدأت التكهنات في قرية النبي صالح غرب رام الله  حول مصير أحلام ونزار التميمي والمحكومين بالمؤبدات، هل سيتمان زواجهما الذي تم داخل السجن، أم أن إبعاد أحلام سيحول دون تمكنها من الوصول إلى نزار إلى الأبد.

وشكلت قصة أحلام ونزار حدثا كبيرا حيث أن أحلام تنتمي الى حماس ونزار ينتمي الى حركة فتح، قصة سخر منها السجان الإسرائيلي  فترة طويلة واختار نزار الارتباط  بأحلام وهما داخل الأسر على أمل الإفراج في يوم من الأيام، وقد جاء هذا اليوم ولكن بإبعاد الأسيرة أحلام الى الأردن . ولم يكن نزار وأحلام يتوقعان أن تكون لحظة الإفراج عنهما قريبة إلى هذا الحد بالنسبة لأحكامهما العالية، لكن إرادتهما المتشبثة بالحياة جعلتهما يتخذان قرار الارتباط، وليس أمامهما سوى الأمل.

فرح نزار بالإفراج عنه الا ان في الفرحة غصة فلم تكن والدته الحنون بانتظاره، يقول نزار "توفيت الوالدة  اثر الاعتداء عليها من قبل قوات الاحتلال أثناء التوجه الى زيارتي عندما كنت ما زلت في مرحلة التحقيق، وقد اعتدى عليها جنود الاحتلال بالضرب مما أدى لحدوث نزيف في الدماغ استشهدت عل أثره، وهذا الخبر نزل كالصاعقة علي عندما علمت باستشهاد والدتي وهي قادمة للزيارة".

ويقول محمود شقيق الأسير نزار في رام الله إن العائلة أصابها الابتهاج والفرح عندما عرفت وتأكدت بنبأ الإفراج عن نزار، وسرعان ما تناقل المواطنون إشاعة حول إبعاده الى الأردن، ولكن يقول محمود ان هذا الخوف تبدد، حيث تأكدنا انه سيفرج عنه وسيعيش في منزله في النبي صالح، ولكن زوجته أحلام ستبعد الى الأردن كونها تحمل الجنسية الأردنية. ويتابع حديثه: "كان نزار من الشباب المناضلين الذين لم يتوانوا عن الوقوف بوجه الاحتلال ومستوطنيه، فمن معاناة أهل قريته النبي صالح التي تعاني الى هذا اليوم من اعتداءات المستوطنين، خرج نزار أكثر من مرة ليرد لهم الصاع صاعين".

جائعون للحرية

وقد سبق هذه الصفقة مجموعة من الفعاليات قام بها أهالي الأسرى والهيئة العليا لشؤون الأسرى في كافة محافظات الوطن دعما للأسرى في سجون الاحتلال ومن المتضامنين كان الأسير المحرر والمفرج عنه قبل عام منسق الهيئة العليا للتضامن مع الأسرى عرفات البرغوثي يوضح "نشارك بالاعتصام الجماهيري في ميدان ياسر عرفات في رام الله بمشاركة كافة القوى والفصائل الفلسطينية والمؤسسات المعنية بالاسرى وحقوق الانسان، للتضامن مع الاسرى ومشاركتهم بالاضراب المفتوح عن الطعام، وأداء القسم بعدم فك الاضراب الا باعلان الحركة الاسيرة وقف اضرابها عن الطعام"، معربا عن أهمية مساندة الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال من خلال مثل هذه الوقفات، وأهمية وعي الجماهير لتحركها الفاعل وأثره على الاسرى في المعتقلات، خصوصا في هذه الفترة ونحن نعايش الربيع العربي ودور الجماهير فيه كل هذه التحركات ترفع معنويات الاسرى وتدفعهم للاستمرار في الصمود لتحقيق مطالبهم العادلة في الحرية وفي رفض سياسات المحتل والسجان من عزل انفرادي وظروف اعتقال صعبة ومنع زيارات وغيرها من الاجراءات العقابية في حق الاسير الفلسطيني.

 

لا بد من التفاف أكبر حول الاسرى

 اما وفاء أبو غلمي، وهي زوجة الأسير عاهد أبو غلمي (المحكوم مؤبد وخمس سنوات) فتقول "نحن في هذه المسيرة الحاشدة والتي يشارك فيها معظم الطيف السياسي الفلسطيني ومن موظفين من القطاع العام والخاص والمؤسسات الأهلية للتضامن مع أسرانا في سجون الاحتلال، لنعلن عن مشاركتنا لهم في معركتهم ضد ادارات السجون وضد الاحتلال الذي يمارس أقسى أنواع العقوبات ضدهم في السجون من خلال الانضمام الى الاهالي والاسرى المحررين والذين بدأوا في الاضراب عن الطعام لمشاركة الأسرى معركة الأمعاء الخاوية".

وتضيف ابو غلمي "سنقوم بتنظيم العديد من الفعاليات وعلى مدى طويل ومستمر لحين تحقيق الحركة الاسيرة لمطالبها، لدينا اعتصامات أمام الصليب الأحمر وهنا في ميدان ياسر عرفات وكذلك أمام السجون الاسرائيلية وسننظم العديد من الندوات والمهرجانات وسننصب الخيم التضامنية في كل الميادين وفي كل المدن الفلسطينية لنقول للعالم وللمحتل الغاصب بأن أسرانا البواسل من حقهم الحرية والحياة الكريمة وكفى لهذه السياسات الغاشمة بحق الأسرى وكفى للمحتل وللسجان".

وانتهزت ابو غلمي الفرصة لتوجه رسالة لكل الأسرى في السجون الإسرائيلية قائلة "نحن معكم ولن يهنأ لنا بال الا بخروج كافة الاسرى والمعتقلين من سجون الاحتلال وأقول للقيادة الفلسطينية باننا كأهل أسرى ليس من السهل علينا أن نوصل صوتنا الى المؤسسات الدولية والمعنية بالاسرى وحقوق الانسان والى محكمة لاهاي"، مطالبة السلطة الفلسطينية برفع قضايا ضد جيش الاحتلال وضد ادارة السجون في هذه المؤسسات وفي المحاكم الدولية لمحاسبتهم على جرائمهم ضد أبناء شعبنا وضد الاسرى على وجه الخصوص والتي تصنف كجرائم حرب، متوجهة للجماهير الفلسطينية بالقول إن الأسرى ضحوا بحريتهم من أجل هذا الشعب ومن أجل هذا الوطن فلا بد من التفاف أكبر حول الاسرى وحول قضيتهم من خلال المشاركة بمختلف الفعاليات التضامنية لنصرة الأسرى.

 

لن ننسى أسرانا

متضامنة أخرى هي أم عثمان والدة الاسير تؤكد على انها اليوم تقف لاستقبال الأسرى رغم ان صفقة الإفراج لم تشمل ولدها، تقف للمساندة والاحتفال بالأسرى المفرج عنهم وتتمنى ان يأتي اليوم الذي تستقبل فيه ولدها الأسير وتقول "وجودنا اليوم هنا لمساندة الاسرى لرفع معنوياتهم ومعنوياتنا أيضا ولنشعرهم باننا معهم واننا نشعر بمعاناتهم ونحن مع مطالبهم العادلة في الحرية والعيش الكريم وأننا ضد المحتل وضد السجّان الذي يريد أن ينال من عزيمتهم بسياسة العزل الانفرادي ومنعنا من زيارتهم بحجج أمنية واهية وكذلك حرمانهم من أبسط الحقوق في المعتقل، لذا أقول لابني ولكل الاسرى اصبروا والفرج قريب ان شاء الله والنصر قريب وفلسطين لنا وهذه الارض لنا والله كريم وقادر على نصرنا".

وتمنت والدة الأسير عثمان المعتقل منذ اكثر من ست سنوات على القيادة الفلسطينية الاستمرار في المطالبة بتحرير الاسرى في كل وقت ومكان والمزيد من المشاركة من شعبنا وأهلنا حتى خروج كل المعتقلين من سجون الاحتلال "بالنسبة لإبني هو في الاعتقال منذ ست سنوات حصل على الثانوية العامة في السجن ولكن سلطات السجون حرمته من اكمال دراسته في الجامعة وصادروا الكتب منه ومن بقية الاسرى وكذلك حرمتني أنا وأخوته من الزيارة ومنعتنا من التواصل معه ومن ايصال الملابس له والبريد وقامت بحرمان الاسرى من مشاهدة تلفزيون فلسطين وبقية الفضائيات لعزلهم عن العالم الخارجي اضافة الى بقية الاجراءات العقابية، فنحن اليوم نخرج لنؤكد لأبنائنا وللعدو ولكل العالم باننا لن ننسى أسرانا وأننا معهم ومع مطالبهم العادلة وأتمنى على الجميع مساندة الاسرى ومساندة قضيتهم حتى الفرج ونيلهم حريتهم".

ماهر حلايقة متضامن آخر مع الأسرى وأهاليهم، ليس أسيرا محررا ولكنه يمثل حالة الشعب الفلسطينية التضامنية بكافة أشكالها، مؤكدا ان المعاناة التي يتكبدها الأسرى هي من اجل الوطن كله وعلى الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده الوقوف بوجه المحتل للإفراج عن كافة الأسرى وتبييض السجون الإسرائيلية.  يوضح حلايقة "نحن هنا اليوم لنعلن للجميع بأننا مع أسرانا البواسل ومع معركتهم لانتزاع حقوقهم الشرعية ونحن كشعب فلسطيني ما زلنا على خارطة العالم بفضل تضحيات شهدائنا و بنفس هؤلاء الأسرى الأبطال الذين ضحوا بزهرة شبابهم في الأسر من أجل أن يكون لنا صوت وموقع في هذا العالم، ورغم هذا الحشد الجماهيري الكبير الا أني أرى أننا مقصرون بحق هؤلاء الأبطال، وأقول للأسرى لا تيأسوا واصبروا وصابروا وأعلموا أن الفرج قريب ان شاء الله واننا لن ننساكم ومهما طالت المدة والزمان وأعلموا أن قائدكم الأخ الرئيس أبو مازن لم ولن ينساكم،  ففي حديثه وعبر منصة الأمم المتحدة ذكّر العالم بعدالة قضيتكم وبضرورة أن يتحرك العالم للمطالبة بالإفراج عنكم، وكذلك الحال في كل المحافل الدولية للعمل على التسريع في اطلاق سراحكم وانتظروا فان فجر الحرية قريب".

وبانتظار تنفيذ المرحلة الثانية من صفقة التبادل مع شاليط والصفقة الموعودة للسلطة الوطنية استطاع الأسرى ان يحققوا بعض مطالبهم من خلال إضرابهم عن الطعام وخوض معركة الأمعاء الخاوية، استطاعوا إجبار الاحتلال وإدارة السجون وقف سياسة العزل الانفرادي للأسرى وتحسين الظروف المعيشية داخل السجون. وإلى حين تبييض سجون الاحتلال نهائيا، يبقى زهاء خمسة آلاف أسير فلسطيني على موعد جديد مع الحرية.

 

خاص مجلة القدس/ تحقيق امل خليفة