ها هو شاب فلسطيني آخر، وهذه المرة في "النمسا" يتوهج بنور الثقافة الفلسطينية وأخلاقياتها الحضارية، والإنسانية المناهضة للعنف، والإرهاب، وهو يقتحم ساحة الهجوم الإرهابي الذي وقع في العاصمة "فيينا" وينقذ شرطيًا نمساويًا إصابه رصاص هذا الهجوم، فتقلده قيادة شرطة "فيينا" بنيشان الشرطة الذهبي، تقديرًا لشجاعته، وموقفه الإنساني النبيل، إنه أسامة خالد جودة، بعمر الفتوة، ودمها الفلسطيني الذي ما بدلت الهجرة طبعه الفروسي، فأسامة وصل فيينا مهاجرًا مع عائلته من قطاع غزة، وهو في الرابعة من عمره، كبر في العاصمة النمساوية، ومشى في دروب ومسالك حياتها، وتعلم لغة أهلها، وحمل جنسيتها، لكنه بنمساويته ظل فلسطينيًا على أكمل وجه وبكامل واقعية الروح والمعنى، مدافعًا عن الحياة، وضد العنصرية، والعنف والإرهاب، وهذا ما قاله بعد تقليده بنيشان الشجاعة، معتزًا بهذا النيشان، ومؤكدًا أن ما قام به يعكس القيم الدينية، والثقافية، والإنسانية التي تربى عليها شعبنا الفلسطيني.

مع أسامة جودة، وقبل ذلك مع صابر مراد في طرابلس اللبنانية، الذي أحبط هجومًا إرهابيًا هناك منتصف العالم الماضي، يتصدر الفلسطيني مشهد الدفاع عن الحياة ضد الإرهاب، أيّا كان شكله ولونه وهويته، ونذكر هنا أن فلسطين وقعت اتفاقيات مع 83 دولة لمحاربة الإرهاب، ولها في هذا الإطار الكعب العالي، وثمة واقعة لا تنسى لشجعان المخابرات الفلسطينية الذي نجحوا بتحرير مخطوفين سويديين، من براثن الجماعات الإرهابية، في عملية حملت عناون رد الجميل للسويد.

فلسطين ضد الإرهاب على طول الخط، برؤية، ونهج، وسياسة قيادتها الحكيمة، وبسلوكيات أبنائها، ومواقفهم أينما كانوا، وبلا تردد، وبشجاعة ترفع لها القبعات، وتنحني لها القامات.

 لا يؤكد هذه الحقيقة، خطاب وشعار، وإنما الواقع بهذه البطولة التي يسطرها الفلسطيني وهو يتصدى للإرهاب والإرهابيين، وقلنا قبل هذا اليوم وسنعيد القول: هؤلاء هم الفلسطينيون حماة الحياة، وضد الإرهاب في كل مكان، هؤلاء هم بثقافتهم الحضارية الأصيلة، فرسان المواقف النبيلة، الذين يترجمون  بهذه المواقف، معنى الأخوة الإنسانية، وعلى نحو لايقبل الالتباس، من لبنان إلى السويد إلى النمسا، ومسيرة الفروسية الفلسطينية، لا تنقطع ولن تنقطع، لعل العالم يراها ببصيرته قبل بصره ليمنح فلسطين ما تستحق من موقف، وتقدير، ودعم، ومساندة، لتمنحه بدروها السلام والأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية لمصالح المجتمع الدولي، حكومات وشعوب، وللعالم أن يرى الوسام الذي منحه الرئيس أبو مازن لأسامة جودة تقديرًا لشجاعته يوم أمس، بعد أن هاتف والده وهاتفه، معبرًا عن اعتزاز فلسطين واعتزازه بهذا العمل البطولي، وفارسه، للعالم أن يرى في هذا الوسام، بأنه وسام الاصرار الوطني الفلسطيني على تكريس هذه الثقافة الإنسانية وتعميمها ثقافة حياة، ودفاع عن الحياة في سبيل ازدهارها بالحق والعدل والسلام، وأينما كان أبناؤها، خاصة في هذا الزمن الذي تحاول فيه العنصرية بسياساتها المتوحشة، قتل كل القيم الإنسانية النبيلة .