تظل فرص المرشح الديمقراطي جو بايدن في الفوز في الانتخابات الأميركية مرتفعة، حيث تشير استطلاعات الرأي مؤخرًا بأن الفارق بين بايدن ومرشح الحزب الجمهوري ترامب مرتفع جدًا ويصل إلى 6 نقاط على الأقل. والذي يعزز من فرص فوز بايدن في هذه الانتخابات التاريخية عدة عوامل منها الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتراجعة للاقتصاد الأميركي الذي فقد ثلث ناتجه القومي بسبب جائجة كورونا، إضافة إلى عدم قدرة إدارة ترامب على التعامل الجدي مع انتشار الجائحة التي راح ضحيتها أكثر من 234 ألف أميركي. وأخيرًا، فإن تخوف الأميركيين من ضياع القيم الأميركية المتمثلة بالحرية والديمقراطية والعدالة بسبب ممارسات إدارة ترامب الشعبوية، يدفع الناخب الأميركي للتصويت لبادين حتى لو لم يكن ديمقراطيًا.

ويعزز هذا الاندفاع في التصويت لصالح الديمقراطيين اتساع المشاركة الانتخابية في هذه الانتخابات والتي من المتوقع أن تتتجاوز حاجز 65%، وذلك بسبب اللجوء لاستخدام نظام التصويت المبكر من خلال البريد خوفًا من انتشار الوباء. وفي المحصلة نجح بايدن في الحصول على 5 نقاط من أصوات الناخبين البيض المحسوبين على الجمهوريين، كما حافظ على تفوق الديمقراطيين في الحصول على أصوات النساء والملونين إلى حد مقبول.

في الواقع، يبدو أن ترامب سيودع البيت الأبيض في هذه الانتخابات، ولكن ليس من المتوقع أن يكون هذا الوداع سهلاً ومعتادًا. فالذي يعرف ترامب عن قرب ويفهم تغريداته العنصرية والشخصانية يدرك أنه لن يستسلم بسهولة. حيث أن ايديولوجيته السياسية والتي شكلت له رافدًا مهما في فوزه في انتخابات عام 2016 تقوم على الشعبوية.

وبرغم عدم وجود تعريف دقيق للشعبوية إلا أن بعض الأدبيات مثل قاموس "بوتي روبير" تعرفها بأنها "خطاب سياسي موجه إلى الطبقات الشعبية، قائم على انتقاد النظام ومسؤوليه والنخب". وهو تعريف بالمحصلة ينطبق إلى حد كبير مع سياسات ترامب المتمثلة في محاربة الأقليات والحد من الهجرة وتمجيد العرق الأبيض واتباع سياسات اجتماعية واقتصادية تقبل بها الغالبية حتى لو لم تكن متناغمة مع منظومة القيم السائدة. 

 وبعيدًا عن توقعات البعض مثل فريدمان وغيره بأن حربًا أهلية ستحدث فيما لو خسر ترامب بسبب تأييد الأخير من قبل الجماعات المتطرفة والذي يغذي أفكارها العنصرية من خلال خطاباته الشعبوية مثل جماعة "اليمين البديل" وجماعة "الكو كلوكس" وجماعة "النازيون الجدد" "Proud Boys" التي ذكرها في مناظرته الأخيرة، فإن هذا الاحتمال حسب وجهة نظري يبدو مستحيلا بسبب قوة الدولة العميقة في الولايات المتحدة ومتانة الديمقراطية والعملية السياسية فيها. بالمقابل، أعتقد أن هنالك عدة ظواهر سياسية غير اعتيادية قد تصيب الولايات المتحدة الأميركية في حال هزيمة ترامب المتوقعة، وأهمها:

أولاً: قيام ترامب بالطعن في نزاهة الانتخابات والادعاء بأنها مزورة. وفي الواقع، فإن ترامب دأب منذ بداية الحملة الانتخابية على الترويج لعدم نزاهة الانتخابات، وكان آخر هذه الادعاءات تصريحاته البارحة والتي شكك فيها بإجراءات التصويت المبكر وعدم نزاهتها. وفي حالة هزيمة ترامب وطعنه بنتائج الانتخابات في محكمة العدل العليا وهي ذات أغلبية جمهورية، فيتوقع أن تحدث أزمة دستورية في الولايات المتحدة قد تطول إذا ما قررت هذه المحكمة إعادة الانتخابات برمتها أو إعادة فرز بعض أصوات الولايات لا سيما المتأرجحة منها مثل تكساس وفلوريدا وميتشغن.

ثانيًا: قيام الجماعات اليمينية المتطرفة المؤيدة لترامب ولخطابة الشعبوي بأعمال عنف للتعبير عن رفضها لنتائج الانتخابات، ويمكن أن تتجه أعمال العنف هذه ضد الأفارقة الأميركيين وضد الأقليات لا سيما المسلمين منهم. وهذا السيناريو أن حدث فسيؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي في العديد من الولايات لا سيما ولايات الجنوب التي يحظى بها الجمهوريون بأغلبية ساحقة.

وبالمحصلة، ستكون الانتخابات الأميركية إمتحانًا صعبًا للشعبوية؛ ليس فقط للشعبوية الأميركية وإنما أيضًا للشعبوية العالمية التي انتشرت في العقد الأخير في العديد من الأنظمة الحاكمة في دول أوروبا.

وإذا ما نجح الديمقراطيون في الفوز في الانتخابات وتحقيق الاستقرار السياسي واستئصال بذور الشعبوية والتطرف لدى الجماعات المتطرفة التي انتشرت بشكل لافت في الولايات المتحدة في عهد ترامب، فان هذا الانتصار سيقوض بذور الشعبوية في غالبية دول العالم ذات الأنظمة الشعبوية، وسيعلن عن مرحلة جديدة تتمثل في إعادة انتاج الديمقراطية على أسس مدنية وليس على أسس شعبوية.