فجر يوم الإثنين الموافق 24 آب/ اغسطس تم التوافق بين حزبي الليكود وحصانة إسرائيل على تأجيل إقرار الموازنة والبحث فيها لمدة 120 يومًا وفقًا لمشروع اقتراح تسيبي هاوزر، رئيس لجنة الأمن والخارجية في الكنيست. وهو ما يعني تسكين الأزمة الخانقة الإسرائيلية العامة أولاً؛ ولجم التناقضات المستعمرة بين أركان الائتلاف الحاكم وعنوانها نتنياهو وغريمه غانتس لفترة محدودة مدتها أربعة أشهر ثانيًا؛ ومحاولة معالجة الملفات العالقة بين رأسي الحكومة العرجاء خلال الفترة القادمة، إن أمكنهما ذلك ثالثًا؛ وهي فرصة لالتقاط كل منهما الأنفاس لتحسين موقعه في الشارع الإسرائيلي. لا سيما أن كليهما بمعايير ونسب مختلفة يعيش تراجعًا ملموسًا في المشهد الإسرائيلي رابًعا؛ كما أن نتنياهو وبيني لا يريدان إحداث إرباكات لرئيس الإدارة الأميركية، دونالد ترامب عشية الانتخابات الرئاسية، خاصة انه يحاول توسيع دائرة الاختراقات التطبيعية المجانية في جدار النظام الرسمي العربي خامسا.

مع ذلك هذا التأجيل شكلي ووهمي، ولم يعالج أي قضية خلافية في إسرائيل الاستعمارية، وغطى كل الأوساخ وحالات التعفن السياسية والاقتصادية والطبية والاجتماعية والقانونية والأمنية والثقافية والدينية، وأبقى كل الروائح الفاسدة تنفث سمومها في أجواء المجتمع الكولونيالي. وبالمناسبة تأجيل إقرار الموازنة، كان أسهل الحلول لها، لأنها بشكل طبيعي باتت منتهية، ودخلت الدولة بشكل طبيعي العام الثاني، وهكذا نجح نتنياهو في تثبيت منطقه وقراره بعدم تمرير موازنة العامين، والاقتصار على موازنة العام الواحد، وبالتالي كان الخاسر زعيم "كاحول لافان". كما أن أزمة الموازنة، لم تكن أكثر من أزمة شكلية، تم استخدامها واجهة للصراع بين القطبين الفاسد والضعيف لمنع نشر كل منهما غسيله الوسخ، وإبقاء الأزمات الأعمق بينهما مغطاة بورقة توت متآكلة. ومن الأزمات الصعبة بينهما: مسألة التعيينات للمناصب العليا وخاصة في وزارة القضاء، وتعيين مفتش عام للشرطة، والمدعي العام، والمستشار القضائي للحكومة، بالإضافة لأزمة الكورونا، والتهديدات الأمنية من الشمال والجنوب والملف الإيراني وغيرها.

لذا ضَمن هاوزر مشروع اقتراحه، الذي تم التصويت عليه تشكيل لجنة بين الحزبين لتعمل على الاتفاق على قواسم مشتركة بينهما، وحماية التحالف الهش، وقطع الطريق على الانتخابات البرلمانية في آذار/ مارس 2021. لكن على ما يبدو أن وصولهما لاتفاق بات شبه مستحيل، ولا أريد أن استنتج استحالته، لذا أميل للتخفيف نسبيًا، فأقول صعب جدًا، لأن نتنياهو ما زال مسكونًا بمسألتين الأولى التخلص من غانتس واشكنازي وبقايا العمل (بيرتس)، وعدم منح رئيس الحكومة البديل فرصة الجلوس على كرسي رئيس الحكومة ولو لساعة واحدة، وبالتالي الحؤول دون بقاء التحالف حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 موعد تولي غانتس رئاسة الحكومة؛ والثانية مواجهة القضاء، والخروج من عنق الزجاجة بإحدى الطرق الالتفافية عبر سحب ورقة جديدة من طاقيته لطي صفحة المحاكمة في القضايا الثلاث، أو الخروج بأقل الخسائر الممكنة دون دخول زنزانة السجن، وإغلاق صفحة وجوده السياسي.

إذا كل المؤشرات العلمية والواقعية تشير إلى ان تأجيل الانتخابات لم يلغ الذهاب إليها، وهي قادمة لا محالة، وهذا بالأساس خيار الحاوي، زعيم الليكود، الذي ضج من حليفه ثقيل الظل والمرفوض غانتس، الذي تشير آخر استطلاعات الرأي عن حصوله على عشرة مقاعد في أحسن حال لو تمت الانتخابات في 24 /8/2020. وبالتالي تصريحات الجنرال وزير الحرب غانتس، عن ان الانتخابات ستؤدي للحرب الأهلية، لا تقدم ولا تؤخر عند الرجل المقيم في شارع بلفور، فهذا آخر همه، ولا يعيره أدنى اهتمام، لأن هاجسه الأساسي البقاء في سدة الحكم. وايضا خياره حتى في أسوأ الأحوال، عدم القبول بتربع زعيم "مناعة إسرائيل" على كرسي الحكومة، بل يمكن أن يذهب لحكومة مصغرة يقودها أحد أركان الليكود، ولا أن يأتي غانتس رئيسا لها.

النتيجة الماثلة أمام المراقب الموضوعي أن دولة الاستعمار الإسرائيلية تتجه نحو الانتخابات. لأن التأجيل ليس أكثر من مسكن مؤقت، وضعيف التأثير في حجم الأزمات الإسرائيلية، لأنها اعمق مما يعتقده الكثيرون، كونها أزمة مشروع، وليست أزمة أشخاص وأحزاب، والتي على ما يبدو ان الزعماء العرب وخبراءهم في الشأن الإسرائيلي لم يدركوها، أو وضعوا على أعينهم نظارات سوداء حتى لا يروها.