حين قال الشاعر الطغرائي " أعلل النفس بالآمال أرقبها / ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل" فإنه كان ينطق بتفاؤل الإرادة، حتى وهو في واقع غاض الوفاء، وفاض الغدر فيه كما قال في القصيدة ذاتها!! وتفاؤل الإرادة، في رؤية المفكر الإيطالي الكبير أنطونيو غرامشي، ضرورة فلسفية لمواجهة تشاؤم العقل، التشاؤم الذي يعني هنا بتبسيط شديد تغليب النظرية على الواقع، ما يجعله يتقدم خطوة، ويتراجع خطوتين، فيما الإرادة التي تحركها الروح بحرارة قيمها، وبما تحمل من تطلعات وأحلام، تتحدى الصعب، بإدراك الضرورة والامتثال لها، فتقتحم الصعب أيّا كان، وهذا ما جعل الحياة دومًا، لا ممكنة فحسب، وإنما متطورة أيضًا.

ولطالما كنا نحن الفلسطينيين نغلب تفاؤل الإرادة، في أصعب المحن وأخطرها، دون أن نرمي تشاؤم العقل بنقيصة النكران، وها نحن اليوم نعيش الصعوبات بمختلف عناوينها، وفي حسابات العقل يتفلت التشاؤم ليحظى بأوسع مساحة له، وثمة من يحاول تغذية هذا التشاؤم، بالشائعات والتقولات المصنعة أغلبها في الدوائر المعادية لفلسطين وشعبها، ولكي ننسى تفاؤل الإرادة، ونغلق فسحة الأمل، كي تكبر دولة الاحتلال بغيلتها، ومشروعها الاستعماري!! على أنه ما ينبغي أن يكون واضحًا تمام الوضوح، إن تفاؤل الإرادة فلسطينيا، هو تفاؤل التحريض على العمل، لا تفاؤل الغارقين في أحلام اليقظة والنوم معًا!! إنه تفاؤل المعرفة الواقعية التي تقود إلى صواب المواقف، وحتى إلى صواب التفكير فلا يعود التشاؤم مهيمنا عليه، ولأن "أضيق الأمر لو فكرت أوسعه" كما قال شاعر آخر هو إبن زريق البغدادي.

لن نقبل أن نجوع في المحصلة، لكنا لن نرضى بالذل والخنوع، في سبيل لقمة العيش فحسب مثلما تقدمها "صفقة القرن" وخطايا التطبيع!! لن نقبل ولن نرضخ، ونثق أن لنا قيادة تتحرك في كل اتجاه كي ندحر الصعوبات التي نعيش هذه الأيام، ولعلنا نكشف ما نعرف أن الرئيس أبو مازن بات يوفد الموفدين هنا وهناك، ويصل الليل بالنهار، وهو يجري اتصالات مع دول عدة، للخروج من الأزمات التي تشكلها الصعوبات الراهنة، التي فاقمتها جائحة الكورونا، وتخطيها نحو انفراج بليغ خاصة على الصعيد الاقتصادي، ومنه أولاً قضية الرواتب التي تأخرت كثيراً!!

ويبقى أهم مبدأ لتفاؤل الإرادة، حسن الظن بالله العلي القدير الذي قال الصحابي عبد الله إبن مسعود " قسمًا بالله ما ظن أحد بالله ظنا، إلا أعطاه ما يظن " وقيل أيضا أمثولة الصبر عند النبي أيوب عليه السلام، هي أمثولة الظن الحسن بالله جل جلاله وقد أثمر الصبر فرجاً عظيماً، وبالقطع فأننا نثق ونؤمن، أنه لن يكون لنا غير هذا الفرج العظيم، وطنًا بحياة الحرية والكرامة والاستقلال .