مع الإعلان عن الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي عدنا لنسمع ذات الأسطوانة، بأن الفلسطينيين وقيادتهم يهدرون فرص السلام، وأن الشعب الفلسطيني يمتهن منهج الرفض لكل مبادرات السلام وفرصه، هذه التهمة الباطلة تم استخدامها منذ أن بدأ المشروع الصهيوني يضع أقدامه في فلسطين، وينهش أرض الشعب الفلسطيني، والهدف من وراء هذه التهمة معروف، هو تحميل الضحية مسؤولية المصيبة التي حلت بها، وكأنها هي من استجلبت هذا المشروع الاستعماري لنفسها وتركته يتوسع ويحتل أرضها ويخنق حريتها ويدوس على كرامتها.
لم يكن غريبًا أن يستخدم العدو الصهيوني هذه الأسطوانة المشروخة، لأن له مصلحة في نشر هذه الدعاية المضللة، ليحافظ على تقدم مشروعه التوسعي، فهذا المشروع إن توقف عن التوسع ستكون بداية نهايته. كما لم يكن غريبًا أن تستخدم الإدارة الأميركية ذلك، باعتبارها صاحبة هذا المشروع الصهيوني، ولكن الغريب أن نسمعه من أشقاء عرب، وهم أكثر من يدرك أهداف إسرائيل حيالنا وحيالهم، خصوصا بعد أن كشف نتنياهو أوراقه لهم، وبالرغم من ذلك قبلوا معه مبدأ السلام مقابل السلام، وفي واقع الأمر السلام مقابل الحماية.
صحيح أن المثل القائل "إن لم تستحِ فافعل ما شئت"، وما شئت هنا تعني أن تتحول بوقًا لدولة الاحتلال  وتتبنى مقولاتها ودعايتها التي تبرر التوسع والاستيطان والتهويد. وكما يبدو أن الانخراط بجوقة الدعاية الصهيونية يعمي صاحبه ويمسح ذاكرته ويذوب بذاكرتهم، لن يبقى على هؤلاء سوى إنكار وجود الشعب الفلسطيني، وإنكار حقوقه الوطنية التاريخية المشروعة.

وفي إطار مسح الذاكرة، يتناسى هؤلاء، ان الشعب الفلسطيني وقع اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1993، وتبع ذلك سلسلة اتفاقيات توضيحية، كان آخرها خريطة الطريق التي يتوصل خلالها الطرفان لسلام عادل ودائم. من الذي أهدر فرص السلام؟، أهو الشعب الفلسطيني، الذي وافق على إقامة دولة له على 22% من أرض وطنه التاريخي مقابل السلام، أم هذه الصهيونية التي تدرك أنه عند توقف مشروعها عن التوسع، ستجد نفسها في مزبلة التاريخ إلى جانب قوى الاستعمار والفاشية والعنصرية، إسرائيل هي من أهدر فرصة السلام الحقيقي لأنها لا تريد إنهاء الاحتلال والتوسع، وبالتالي لا تريد أن ترى دولة فلسطينية مستقلة ومعترفًا بها تضع حدًا للتوسع...هل هذه الحقيقة تخفى على الاشقاء؟

لقد حاولت القيادة الفلسطينية كل المحاولات، وأعطت كل الفرص إلى درجة باتت معها تتهم بالتنازل والتفريط..!!. واحترفت لأكثر من ربع قرن المفاوضات مع إسرائيل ولكن عندما أدركت أن إسرائيل تريد  استسلامًا وقبولاً بحقيقة استمرار الإحتلال مقابل كيان هش ومشوه توقفت. القيادة الفلسطينية رفضت صفقة القرن لأنها جاءت بعد إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، ولأنها ادركت أن هذه الإدارة الأميركية  أخذت على عاتقها تسجيل النصر النهائي  للمشروع الصهيوني. مشروعهم بالأساس، والنصر لن يأتي إلا بتركيع الشعب الفلسطيني وفرض الاستسلام عليه. وفرض الاستسلام  للمشروع على الأمة العربية والقبول به.
إن الشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب رغبة بالسلام، أكثر من مائة عام وهو على صليب المعاناة والقهر  والظلم، لكنه بالمقابل يميز تماما بين ما هو سلام حقيقي، المستند إلى مبدأ الأرض مقابل السلام، المستند للقانون الدولي، وبين الاستسلام. حتى في إسرائيل  هناك كثيرون لا يتفقون مع هذه الدعاية الرخيصة بأن الشعب الفلسطيني يهدر فرص السلام، لأنهم يعرفون حق المعرفة حقيقة المشروع الصهيوني التوسعي.