منذ الإعلان عن اتفاق "إبراهام" بين أمريكا وإسرائيل والإمارات، الذي نص على التطبيع بين دولة الإمارات العربية وإسرائيل، توالت ردود الفعل من الدول ومؤسسات المجتمع المدني، وأهمها الموقف الفلسطيني الذي أعلنه الرئيس محمود عباس وقادة الفصائل والمنظمات الفلسطينية باعتباره "خيانة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية" مع الرفض القاطع للمبررات التي ساقتها قيادة دولة الإمارات بأن الاتفاق يخدم الفلسطينيين بوقف "الضم" وشراء الوقت كما قال وزير خارجية الإمارات، بينما كانت إسرائيل ترد بوقاحة بنفي هذه المزاعم على لسان المجرم نتنياهو. ما يلفت النظر أن مواقف الترحيب بالاتفاق لم تستطع تجاوز الحقوق الفلسطينية، أما المواقف الصلبة لدول مثل الأردن والكويت والسعودية التي أكدت على ثبات تمسكها بمبادرتها الأصلية، وطبعًا دول أخرى كثيرة وعلى رأسها دول المغرب العربي وباكستان، فقد أكدت جميعها الثبات على المواقف الأصيلة، لا تطبيع مع الدولة العنصرية الأخيرة على وجه الأرض، التي تحتل الأرض وتبطش بالإنسان وتعتدي على المقدسات، إلا بحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه. 

إن التوسع في تحليل ردود الفعل السياسية قام ويقوم به سياسيون وكتاب أعمدة كثيرون، ولكن الأهم، هو دراسة دور الثقافة والوعي في معركة طويلة قاسية سيخوضها الفلسطينيون والعرب وأحرار العالم ،في تحصين الوعي ضد الاختراق، أمام سياسات قمعية للرأي وانعطافات محزنة لبعض الكتاب بحثا عن الرضى والمنافع، وضبط مشاعر الغضب التي تؤدي إلى ممارسات  خاطئة يستفيد منها أصحاب المشروع: تخريب الوعي وإشعال معارك لا طائل منها في مواقع التواصل الاجتماعي، بين الشعب الفلسطيني والشعوب الأخرى، إلا إذا اتسمت بالحكمة التي تضبط الغضب المشروع، والتركيز على ردود الفعل الايجابية الغاضبة والحاسمة كما حصل مثلاً في مهرجان نابلس، الذي تحدث فيه تيسير خالد ممثلاً اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ونائب رئيس حركة فتح، محمود العالول، حيث رفع العلم الإماراتي وعزف النشيد الوطني الإماراتي إلى جانب العلم والنشيد الفلسطيني، ليكون ردًا على حرق الأعلام والشتائم بينما عُرِضَ الموقف الفلسطيني الرافض بحزم لاتفاق التطبيع. الذباب الإلكتروني المعادي أبرز حادثة فردية لحرق علم الإمارات، ولم يتوقف أمام تكريم هذا العلم، الذي يقول للشعب الاماراتي، لا شيء يمكن أن يفك روابط العروبة والتاريخ بيننا وبينكم. هذا واحد من الأمثلة الكثيرة.

في مصر والأردن وفلسطين، استطاع المثقفون والكتاب واتحاداتهم والنقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني الوطنية، أن يجعلوا السلام المزعوم باردًا كالثلج، دون الالتفات إلى المواقف الرسمية والدبلوماسية، معارضين لها أو متفهمين لظروفها، المختلفة تمامًا عن دول بعيدة، لا يتهددها مباشرة الخطر الإسرائيلي.

استطاع هؤلاء أن يحصنوا الوعي وينشروا الحقيقة الراسخة: الاحتلال هو جوهر القضية، والحقوق ثابتة، والصراع مستمر طالما استمر الاحتلال والعدوان، وأميركا وإسرائيل، لا تبحثان عن حلفاء أو شركاء، وإنما عن أتباع ينصاعون للأوامر ويحققون مصالحهما.

تم اختراق الوعي عندما ألغت الدول العربية من مناهج التعليم تدريس القضية الفلسطينية وتاريخية الصراع وجوهره، واستبدلتها بمناهج أقل ما يقال فيها أنها مغرقة في خصوصيتها وقطريتها، كما تركت لوسائل إعلامها الانقضاض على وعي المواطن وتشويه وعيه أو على الأقل إخراجه من القضايا الكبرى المصيرية. والرد على ذلك يكون بالعمل الجاد والمنظم، من قبل الكتاب والمثقفين لنشر كتب وملخصات ومقالات موجزة مستمرة  على كافة وسائل الإعلام، ووسائط التواصل الاجتماعي، تصل إلى كل العرب ودول العالم، تشرح وتوضح وتدمج المجموع في الهم الجمعي ، بعيدًا عن الخلاص الذاتي.

الثقافة وأداتها الرئيسية الكتابة، مقاومة صلبة وقوية، تستطيع ان تهزم محاولات السيطرة على الوعي الجمعي العربي .. وأتمنى أن يقوم بها ويكثفها جميع من يؤمن بقضية فلسطين، ورفض الاحتلال والحرية والعدالة وحق تقرير المصير.