إذا كانت خيانة وطعنة أشقاء عرب أو مسلمين قد دفعت الإخوة الفلسطينيين أبناء العائلة الوطنية الواحدة للتآلف ونبذ الفرقة والالتقاء على موقف واحد تحت علم فلسطين وسقف منظمة التحرير الفلسطينية فهذا يعني خسرانًا وفشلاً للذين راهنوا على تعميق فرقتنا وخلافاتنا، وفوزًا لعقلية وحكمة وشجاعة وواقعية الرئيس أبو مازن، وبينة قاطعة على صواب منهجه السياسي الوطني والعربي والدولي.

فوجئ المتسارعون للسقوط في الخضوع لمنظومة الاحتلال الاستعماري العنصري بكلام وموقف الرئيس أبو مازن خلال اجتماع القيادات الفلسطينية أول أمس، كلام تاريخي يوازي بثقله وشدة وضوحه خطر اللحظة وتبعاتها، كما فاجأهم- كما نعتقد- إجماع فصائل منظمة التحرير والقوى والفصائل الفلسطينية التي مازالت خارج أطر هيكلها الرسمي كحماس والجهاد على نص البيان الصادر عن الاجتماع الذي تلاه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية د. صائب عريقات، ما يدفعنا للقول بكل ثقة إن المؤتمر كان علامة فارقة في العمل الوطني يجب التوقف عندها والبناء عليها بعقلية وطنية متحررة من الولاءات الحزبية ومنطلقة نحو الولاء التام للوطن، وتعزيز مبدأ استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، ووحدانية التمثيل الشرعي للشعب الفلسطيني، فالمستهدف في هذه اللحظة التاريخية أرض وشعب فلسطين، وكيانه السياسي الذي استطاع تجسيده كحقيقة مادية وقانونية لا يمكن لقوة في العالم إزالته أو إضعافه أو تدميره.

نعتقد أن رسالة رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية التي بعثها على الملأ وبلسان فصيح، لا تأويل ولا تفسير لها غير معانيها الأصلية قد وصلت للقاصي والداني، العربي والأعجمي فالرئيس قد أدخل اليأس والإحباط الى نفوس المتآمرين الذين وجهوا طعنة من الخلف للقضية الفلسطينية وخانوا أنفسهم والشعب الفلسطيني أو الذين يفكرون بفعل خيانة تال، عندما رحب بحضور قيادات من حماس والجهاد الإسلامي والقيادة العامة والصاعقة في هذا المؤتمر قائلاً: "هذا يدل على أن الشعب الفلسطيني وحدة واحدة ضد المؤامرة، بصرف النظر عن كل الاختلافات التي بيننا، ولكننا عند الشدائد نقف صفًا واحدًا وموقفًا واحدًا ضد كل من يريد أن يعتدي على قضيتنا".

ذهب الرئيس إلى أبعد حدود التحدي والإصرار على منع أي واحد في هذا العالم يفكر بمس استقلالية القرار الوطني الفلسطيني أو يمس كرامة الشعب الفلسطيني، وأضاء الرئيس أبو مازن شارة تنبيه حمراء، ورسم خطاً أحمر وحذر كل من يتجاوزه اذا قال: "نؤكد مرة أخرى أن موقفنا من هذا الاتفاق الثلاثي الإماراتي– الإسرائيلي- الأميركي- سينسحب على أي دولة عربية أو إسلامية تبرم اتفاقًا مثله، فهناك دول بدأت تتحرك في السر وفي العلن".

لم يغفل الرئيس أبو مازن العمق العربي الاستراتيجي للقضية الفلسطينية، ومكانة الأشقاء العرب ودورهم تجاهها، بما يؤمن مساندتهم للشعب الفلسطيني والوقوف معه وإلى جانبه، لكنه نبه الجميع لعدم التفكير بالسطو على القرار الوطني الفلسطيني إذ قالها بمنطق قوة: "نحن فقط، الفلسطينيين، هنا الذين نتكلم باسم القضية الفلسطينية"، ثم قال: "صحيح أن القضية الفلسطينية، قضية عربية وإسلامية، لكن أنتم عليكم أن تساعدونا وأن تقفوا إلى جانبنا، لا أن تحلوا محلنا، لا أحد يستطيع أن يحل محلنا، هذا الزمن ولى من وقت طويل ولن يعود إلى الوراء".

جميع الفصائل في الإطار الرسمي لمنظمة التحرير ومعها القوى التي مازالت خارجها قد وافقت وأقرت تأكيدات القيادة الفلسطينية في بيانها الختامي التي يمكن اعتبارها عناوين رئيسة لبرنامج سياسي وطني فلسطيني (محدث) متفق عليه بإجماع يعزز برنامج المنظمة السياسي الأصل للمضي قدمًا في النضال لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني إذ أكد بيان القيادة: "تمسك دولة فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطيني بخيار تحقيق السلام العادل والشامل على أساس الشرعية الدولية والقانون الدولي ومبادرة السلام العربية كأساس ومرجعية لأيّة عملية سياسية تتعلق بالقضية الفلسطينية وضمن إطار مؤتمر دولي للسلام، وتحت رعاية الرباعية الدولية".

انجاز وطني عظيم ما كان ليتم لولا قناعة المشاركين في المؤتمر الوطني بمصداقية مواقف الرئيس أبو مازن وصواب وتمسكه بالثوابت، وبرؤيته للحل السياسي العاكسة لطموحات وآمال الشعب الفلسطيني، وكذلك شجاعته وحكمته وصلابته في مواجهة (العدوان الثلاثي) على القضية الفلسطينية ومؤامرات صفقة القرن وأزلامها!! ورفضه أي تجاوز من أي كان لخطوط حمر رسمها الشعب الفلسطيني بدمه، فما فعله ساسة الإمارات العربية خطأ تاريخي وهدية مجانية لترامب ونتنياهو تعزز مخططهما الاستعماري وانتهاك منظومة الاحتلال للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس خصوصًا وفلسطين عمومًا".

ما حدث أول أمس في مقر الرئاسة الفلسطينية إجماع وطني يجب أن يتوج "بشراكة سياسية حقيقية" تؤكد للعالم أن الوحدة الوطنية الفلسطينية ليست تكتيكًا أو خيارًا وإنما عقيدة وطنية متحررة من تأثير تقلبات المناخ السياسي، ودون ذلك سيتجرأ صغار أقزام على اغتصاب شرفنا الوطني بتشجيع من أسيادهم المستعمرين المستكبرين العنصريين، ومن يغدر بهذا الاجماع فانه سيعتبر حتمًا خائنًا ويوالي الذين طعنوا الشعب الفلسطيني وغدروا به، فالقيادة الفلسطينية التي اجتمعت ادراكا للمسؤولية في لحظة تاريخية أكدت أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي وحدها صاحبة الحق بالحديث باسمه وتمثيل آماله وتطلعاته الوطنية، وأنها لن تسمح لأي كان أن يتدخل في الشؤون الفلسطينية أو التقرير نيابةً عن الشعب الفلسطيني في حقوقه الوطنية، فاستقلالية قرارنا الوطني توفر علينا نصف مسافة الطريق في كفاحنا ونضالنا نحو تحقيق النصر والحرية والاستقلال.