في العادات الشعبية المتعارف عليها تاريخيًا عندما يحاصرك الإحباط واليأس، وتنهال عليك الضربات من كل الاتجاهات، في الرأس والصدر والخاصرة والوجه والظهر، يخونك الأصدقاء، تتخلى عنك الأبراج، تجد نفسك محاصرًا ووحيدًا لا تملك سوى الكرامة والانتظار، حينها أبدأ بتحطيم وتكسير الأواني لصد النحس والشر ولتبدأ فصول حياة مختلفة، تدخل برجاً لم يذكره الفلكيون هو برج الثورة.

يا سيدي: لقد شجبت واستنكرت ونددت واجترحت مئات القرارات الدولية المنصفة لحقوق شعبك الفلسطيني، حاصرت أعداءك دبلوماسياً واخلاقياً وقانونياً حتى اتهموك بالارهاب الدوبلوماسي، صمد شعبك صمودًا اعجازيًا في جحيم القمع والاستيطان والاعتقال والقتل اليومي، لم يساوم أو يستسلم أو يتنازل، كان دمه وصموده هو معادلة التكافؤ في موازين القوى بين الحق والقوة الغاشمة، قطعوا يد العدالة والشرعية الدولية، قطعوا يدك الممدودة للسلام الشامل والعادل، حان الوقت يا سيدي أن تكسر الأواني.

الآن اكسر الأواني بعد أن حاولوا أن يحشروك في المعازل والكانتونات وفي مؤتمراتهم الاقتصادية حول الرفاهية والسلام مقابل أن تتنازل عن شهدائك وأسراك وحقك بالحرية، مارس المحتلون الاسرائليون البلطجة والقرصنة واستوحشت المافيا الاسرائيلية معتقدة انك عندما تجوع تتحول الى عبد ذليلٍ على موائدهم وصفقاتهم المسمومة، اكسر الأواني واملأ عيون أعدائك بنيران شعبك الحامية.

الآن اكسر الأواني لانك رفضت المقايضة، وضعت حجراً على معدتك وقلت: الجوع لا الركوع، تحركت في كل الاتجاهات لكنهم الأعداء يا سيدي، الأعداء كثروا وصارت لهم وجوه جديدة، المطبعون والغادرون في دولة الإمارات وغيرها من الدول، والعاجزون عن حماية شعب عظيم يقاوم أعتى استعمار في التاريخ، يستحق أن يسمى شعب الشرف وأن يكون وساماً على جبين العالم، الآن اكسر الأواني لم يعد ما نخسره سوى القيد والخيمة والظلمة.

الآن اكسر الأواني لانك قادر على تغيير هذا الطقس المتبلد المتكلس البارد، أعلن التغيير فكراً وعقلاً ورؤية واقلب الطاولة، اخرج عليهم في عقر دارهم، شبحك يقلقهم، لا نوم لمن يمنع شعبي من النوم، لا ضوء لمن يحرم شعبي من الضوء، لا هدوء لمن يتآمر على القدس وحق تقرير المصير والعودة، اخرج عليهم واكسر الأواني فوق رؤوسهم، ذكّرهم بأننا خرجنا من الصفر يوماً وصرنا رمحاً ورقماً وسكيناً في حلوق المستعمرين والمتخاذلين وأعداء القضية، ذكّرهم عندما اعتقدوا اننا غباراً فصار هذا الغبارُ عاصفة.

يا سيدي اكسر الأواني كي أراك في المستقبل، اخرج عليهم من البر والبحر وبئر النفط والصحراء، من الأرض والسماء، ليعرفوا أن ذلك الحريق يدل على الغابة، وأن شعباً اجترح الانتفاضات في ظروف مشابهة وأسوأ لقادر ان يشعل الانتفاضة الثالثة والعاشرة، وليعرفوا أن شعباً يستطيع أن يحمل الأقصى بيمينه والقيامة بيساره ويصمد في السجن 40 عاماً لقادر أن يحرر كل معذبي الأرض في الدنيا وفي الآخرة.

يا سيدي اكسر الأواني وردد أشعار محمد مهدي الجواهري المغموسة بالفحم والزيت والكاز عندما قال:

أطْبِقْ دُجى، أطْبِقْ ضَبابُ

أطْبقْ جَهاماً يا سَحابُ

أطبق دخانُ من الضمير

مُحَرَّقاً أطبق، عَذاب

أطبق دَمارُ على حُماةِ

دمارِهم، أطبق تَباب

أطبق جَزاءُ على بُناةِ

قُبورِهم أطبق عِقاب

أطبق نعيبُ، يُجِبْ صداكَ

البُومُ، أطبق يا خَراب

أطبق على مُتَبلِّدينَ

شكا خُمولَهمُ الذُّباب

لم يَعرِفوا لونَ السماءِ

لِفَرْطِ ما انحنَت الرقاب

ولفرطِ ما دِيسَتْ رؤوسهمُ

كما دِيسَ التراب.