هناك مقولة تاريخيًا أكدتها تجربة الحياة في كافة الصراعات بين الشعوب والدول، وعلى المستوى الوطني والقومي العربي، تقول: إن الجبهة الثقافية، هي الجبهة الأكثر تمسكًا وثباتًا في الدفاع عن مصالح وحقوق ومنجزات الشعوب والأمم. وهي الجبهة التي لا تستسلم أمام غولاة المستعمرين، ولا تتساوق مع فن الممكن في السياسة، وترفض منطق تدوير الزوايا على حساب المبادىء والقيم والموروث التاريخي. ويواصل المثقفون من كل المشارب والإتجاهات التخندق في خنادق الدفاع عن قضايا شعوبهم وأممهم وحقوقها التاريخية. وجبهة الثقافة لا تعرف لغة المساومة وأنصاف وأرباع الحلول.

وفي خضم معركة الدفاع عن القضية الفلسطينية، وحقوق ومصالح الشعب العربي الفلسطيني، التي تعرضت لمزيد من التآكل بفعل التواطؤ والتساوق العربي الرسمي عمومًا، والإماراتي خصوصًا كان لجبهة الثقافة كلمة شجاعة، لم تهادن، ولم تخضع لإبتزاز أموال وجوائز دول البترودولار المجبولة على التقاعس، والتراجع والتخلي عن الثوابت العربية تاريخيًا، لأسباب عدة، منها، أولاً إرتكازها على البناء الثيوقراطي العشائري القبلي؛ ثانيًا إفتقادها للكثافة السكانية، وعدم قدرتها على بناء منظومة إجتماعية حقيقية، وحتى عدم تمكنها من بناء جيوش وطنية حقيقية، حيث أن غالبية جيوش دول الخليج العربي تتكون من حملة الجنسيات الأسيوية، التي لا يربطها أي إنتماء مع أرض وتاريخ الدول، التي إلتحقوا بجيوشها؛ ثالثًا غياب البنية الصناعية الحقيقية، وإعتمادها على مجال إقتصادي واحد، هو النفط ومشتقاته، ومن ثم لجأ بعضها لصناعة السياحة المفتعلة، وغير الأصيلة؛ رابعًا دول قزمية وضعيفة إعتمدت على المال السياسي لشراء الذمم، وحماية الذات، والتبعية المطلقة للقوى وللسوق الرأسمالية، أضف إلى أنها شكلت سوقًا لتصريف منتجات وسلع شركات الغرب الرأسمالي ومتعددة الجنسيات، وبتعبير آخر أمست كمبرادور لتلك الشركات، ولم تتحول لبناء قاعدة إنتاجية تعتمد التنمية المستدامة.

نعم في الصدام المحتدم بين الشعب العربي الفلسطيني بقيادة ممثله الشرعي والوحيد، منظمة التحرير الفلسطينية وقوى التطبيع المجاني مع دولة الإستعمار الصهيوني وبرعاية إدارة الرئيس الإفنجليكاني، دونالد ترامب، وعنوانها الأبرز الآن دولة الإمارات العربية المتحدة، الدولة المتهافتة والمنبطحة والمستسلمة لمشيئة القرار والإملاء الصهيو أميركي، في هذة المعركة وقف الكتاب والأدباء والشعراء والفنانون من كل المشارب إلى جانب قضية العرب المركزية، قضية فلسطين، وسحبوا ترشيحاتهم من جائزة دولة الإمارات، وبعضهم رفض إستلام جائزته، وأعلن إنحيازه لصالح فلسطين وشعبها وقضيتها وحريتها.

هؤلاء المثقفون من النساء والرجال، ومن مختلف الأجيال، ومن فرق ومدارس ومجالات الفن والإبداع المختلفة ومن مختلف الدول العربية من المحيط إلى الخليج وقفوا في خندق الدفاع عن فلسطين وعروبتها، وأعلنوا في بياناتهم، وتغريداتهم، وتصريحاتهم دون لبس أو مغمة أو تزويق رفضهم تطبيع دولة الإمارات المجاني مع دولة الإستعمار الإسرائيلية، وأدانوا كل من وقف خلف موقف دولة الكرتون الإماراتية بقيادة محمد بن زايد، وكل من تساوق معها، وأعلنوا تصديهم بالكلمة الحرة والشجاعة، والموقف الراسخ والنبيل لعمليات تشويه الوعي العربي، وتسويق التطبيع المجاني، والمتناقض مع مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني، وأكدوا أن فلسطين كل فلسطين للشعب العربي الفلسطيني.

كما وأنهم رفضوا الإصغاء لمقولات القوى والأنظمة العربية المعادية، والمستهدفة الشعب الفلسطيني وقيادته، التي حاولت تزوير الحقائق كعملية التطبيع ، وإلصاقها بالشعب والقيادة الفلسطينية، لأن الجميع يعلم أن الشعب الفلسطيني وقيادته الشجاعة أرغمت إرغامًا للذهاب إلى مؤتمر مدريد للسلام 1991، وللتوقيع على إتفاقية أوسلو 1993، لأن الشعب الفلسطيني بعد حرب الخليج الثانية جرى تعليق المقصلة لإعدامه، وتصفية قضيته من جذورها، لأنها باتت عبئا على انظمة الحكم المهترئة، وحتى قبلها بعد إجتياح لبنان عام 1982، وحرب البقاع وطرابلس لبنان 1983 وحرب المخيمات 1985و1987، وقمة عمان العربية في نوفمبر 1987 ... إلخ من سياسات الحصار والتنكيل العربي الرسمي لإبناء الشعب وقيادته على حد سواء، كلها عوامل أجبرت القيادة الفلسطينية لدخول الممر الإجباري، وتوقيع إتفاقية أوسلو 1993، وما تلا ذلك من مواصلة الدفاع عن الذات والأهداف الوطنية، وقبل كل هذا الشعب العربي الفلسطيني يرزح تحت نير الإستعمار الإسرائيلي ومرغمًا على التعاطي مع مكونات الإستعمار الكولونيالي لتصريف شؤونه الحياتية، وبالتالي كان صوت الثقافة عاليًا وعظيمًا في الدفاع عن قضية العرب المركزية، قضية فلسطين.

ولا أعتقد أن قيادات إتحادات الكتاب والأدباء والصحفيين والفنانين التعبيريين والتشكيليين الفلسطينيين تغيب عنهم ضرورة الإنتباه لتكريم كل مثقف عربي رفع صوته عاليًا لصد الهجمة الخيانية الإماراتية على الشعب والقيادة الفلسطينية، وإرسال رسائل الإمتنان والإحترام لرواد الثقافة القومية العربية. والعمل على ضرورة الدعوة لعقد مؤتمرات عاجلة، رغم الكورونا لتوسيع وتعميق التعاضد الثقافي الفلسطيني العربي، والشروع ببناء جبهة عمل قومية شعبية من كل ممثلي الإتحادات والنقابات والمؤسسات والأندية الثقافية والأدبية والفنية والإعلامية لتشكل رافعة حقيقية لإستنهاض الأمة العربية وشعوبها، وإخراجها من براثن الهزيمة ومستنقع العار والتطبيع، والتصدي لكل نظام متواطىء مع إسرائيل الإستعمارية والولايات المتحدة.