يكتب الصحفي المعروف عبدالرحمن الراشد قائلاً: (في العالم 193 بلداً، تشكل المجتمع الدولي في الأمم المتحدة، بينها 163 دولة كلها معترفة ب"إسرائيل". يكفي أن تقرأ هذه الأرقام لتعرف أن ما حدث أول من أمس ليس قضية خطيرة رغم كل ما سمعتموه. علاقات الإمارات ب"إسرائيل" جاءت بعد 27 عاماً من اتفاق أوسلو، وبعد 40 عاماً من وصول سعد مرتضى، أول سفير مصري إلى تل أبيب، وبعد 24 سنة من تعيين أول مسؤول إسرائيلي في قطر، ورفع العلم الإسرائيلي على مبنى الملحقية في الدوحة. )

ورغم هذه المقارنة الرقمية المشتتة الصلة والأزمان والظروف المختلفة، فإنه لا يذكر أن العالم اليوم يعترف بالدولة الفلسطينية منذ العام 2012 (باستثناء أمريكا و"إسرائيل" ودول تابعة لهما)، ويرى هذا العالم أن فكرة الدولتين لا تعيش إلا بحياة الدولة الأخرى أي الدولة الفلسطينية، وهو ما أقرّه قرار التقسيم ذاته، والقرارات الدولية اللاحقة التي تعترف بها كافة الدول العربية، وفي كافة اجتماعات الجامعة العربية التي اعترفت بها كل الدول العربية.

ولا يذكر في سياق المقارنة أنه في العام 2002 اتفق العرب أجمعين على المبادرة العربية، مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز بأن العلاقات الإسرائيلية مع العرب والمسلمين تأتي بعد تحقيق الاستقلال لدولة فلسطين.

ولا يذكر أنه في قمة القدس في الظهران في السعودية عام 2018 اتفق العرب جميعًا على دعم مبادرة أبومازن التي أعلنها بالأمم المتحدة والتي منها تطبيق خطة الملك عبدالله بن عبدالعزيز كما جاءت أي من الألف إلى الياء!

اعتقدنا واهمين أن الارتباط العربي بالقضية للمبدأ والتاريخ والجينات الوراثية والمصير المشترك، وصحونا من هذا الوهم لندرك أن الحقيقة غير الوهم أو الامل ، لكن ما يلزم الأمة إن أرادت أن تبقى في حدها الأدني أمة أن لا تلحس ما تتفق عليه! لا سيما أن صاحب المبادرة العربية هو ملك المملكة العربية السعودية التي ينحدر منها الأستاذ عبدالرحمان الراشد!

وعندما يذكرنا الراشد باستقلالية القرار الفلسطيني يثير بالمقابل أن كل دولة عربية لها استقلاليتها قائلاً: (إن لكل دولة عربية نفس الحق في إدارة علاقاتها الدولية، بما في ذلك علاقتها مع "إسرائيل". هذه مسألة سيادية تقررها كل دولة بناءً على مصالحها، وليس بناءً ما يريده الفلسطينيون أو العرب الآخرون)!؟ بمعنى أنه ينظّر بكل قوة لاسقاط الجامعة العربية، ولاسقاط الاجماع العربي نحو أي قضية وعلى رأسها قضية فلسطين.

وفيما سبق فإنه يبرر إقامة أي علاقة مع الإسرائيلي وفق هذه المعادلة المخادعة، متناسيا أن الاتفاق الامريكي الإسرائيلي الأخير على الإمارات يتحدث "ترامب" باسمه قائلاً: أنه يوقف أو يؤجل الضم (ما كذّبه مباشرة نتنياهو)، بمعنى أنه تدخل سافر في الشؤون الفلسطينية، فلمن يريد إقامة علاقات مع الإسرائيلي، إن فهم هذا استقلالية عن الإجماع العربي ليس له أن يتحجج أنه يخدم الفلسطينيين، أو يفاوض عن الفلسطينيين تجاه قضيتهم.

القاعدة هنا إن كان الصراع هو إسرائيلي-فلسطيني فليس لأحد أن يقرر عن الشعب الفلسطيني، أو يتخذ من القضية مشروعية لأي عمل يقوم به.

وإن كان الصراع إسرائيلي-عربي فليس لأحد أن يخرق الاجماع العربي في أي قضية مُجمع عليها.

خرقًا للقاعدة تصبح الاستقلالية و[السيادة] كما فهمها الراشد تعطي الحق لأي دولة أن تفاوض إيران مثلاً على الجزر الثلاث، وتقرر أنها تخدم هذه القضية، وتخدم البلد، أو تفاوض إسبانيا على احتلالها لمدينتي سبتة ومليلية المغربيتين وتدعي أنها تخدم القضية المغربية!

يضيف الأستاذ عبدالرحمن الراشد قائلاً: (لقد تجاوز العرب مرحلة التعامل مع "إسرائيل"، لم تعد صدمة بل قصة قديمة ومملّة. فالإسرائيليون هبطوا في كل مطارات عواصم الدول العربية، واستُقبلوا رسمياً فيها، بصفتهم دبلوماسيين، أو رياضيين، أو أمنيين، أو إعلاميين.)

وقد صدق في مقولة التجاوز والملل والقِدم هذه، من قبله، فمن يعتبر التعامل مع المحتل الإسرائيلي قصة قديمة ومملة! هو ببساطة يعتبر فلسطين قصة قديمة ومتجاوَزة ومملة!

وهو يسقط القدس ويسقط الإسراء والمعراج وهو بنفس الوقت يدير وجهه للصلاة نحو اتجاه الغرب بكل وضوح.

ومن يعتبر القدس مهبط أفئدة المسلمين قضية مملة وقديمة! له أن يعتنق دينًا آخر فهذا شأنه، إن أراد مخالفة أمر الله بعد أن خالف الاجماع العربي، وبعد أن أسقط المباديء مقابل الانبهارية بالعقل الآمر الغربي التوراتي مع الصهيوني الذي لن يتوقف عند حدود الفرات وصولًا الى النيل .

وفي ظل التنظير للنزاع الخليجي-القطري وإدخالها في تحليله -ما لا شأن لنا به- يقول الراشد أن: (إدارة السلطة الفلسطينية، تكتفي بالتفرج على الأخبار والتعليق السلبي عليها!) بالطبع فإن التعليق السلبي على الأخبار في أبرزه ما تقوم به الجماهيرالفلسطينية يوميا من مقاومة باسلة في غزة والضفة ضد الهدم وضد القتل وضد التوسع الاستعماري، وضد الحواجز وضد تهويد القدس...الخ، في هبات متلاحقة لم تهدأ ولن تهدأ.

السلطة التي تتفرج وتعلق سلبيًا كما يذكرالكاتب هي سلطة الرئيس أبومازن الذي وقف شامخًا شموخًا عز نظيره بالأمة، كما فعل قبله الخالد أبوعمار، مدافعا عن القدس وفلسطين والامة ليقول ومعه شعبنا وأمتنا الحرة ألف لا ضد سيدهم الأكبر ومشروعه الصهيوني ومن ورائه "نتنياهو" معلم الجميع.

النمر الأمريكي الذي هو من ورق، مازال بعض الأعراب يرتعدون منه خوفًا! فهو سيدٌ متوجٌ لأنظمة أو شخوص أو جهات أدمنت الخنوع والركوع والجنوح والاستصغار لنفسها، وشعوبها، فارتمت تحت أقدام هذا السيد الأكبر لها، رغم خرفنته وقلة عقله وتوراتيته المضللة، ورغم عنصريته وعدائه للعرب وغير البيض جميعًا! ورغم اقتراب موعد أفوله، فحركة التاريخ لاتتوقف.