أمس الإثنين، شاهد العالم أجمع بعيون وعقول مفتوحة ما يجري في أريحا، حين أكد شعبنا الفلسطيني المتلاحم بعظمته مع قيادته الشرعية، وهو يقول: لا لخطة الضم الإسرائيلية التي يداور ويناور فيها نتنياهو على وهم أنه ستكتب له الحياة على قاعدتها، ولن يكتب له سوى العار كسابقه بلفور، الذي أعطى وعده المشؤوم قبل أكثر من مئة سنة، وحينها احتشدت حوله الحركة الصهيونية وكل أعضاء المسيحيانية اليهودية في العالم كي يجعلوا وعده المشؤوم يتحقق، قائلين لبعضهم: إن هذا الشعب الفلسطيني هو شعب صغير، ومع الزمن سيموت كباره في السن، أما صغاره فسوف ينسون، فهل تحققت هذه الأمنية السوداء؟ هذا السؤال الذي يعرف الإجابة عنه شعبنا الفلسطيني، ويعرف المدارات والمآلات الفادحة له والمقاومة الباسلة لإسقاطه.

قبل أكثر من مئة عام، اتحدت كل قوى الموجة الاستعمارية لزرع إسرائيل "الخرافة الكاملة" في قلب فلسطين لأسباب يعرفها القاصي والداني، فهل استقرت الخرافة؟ إنها كلما نظرت خلفها وجدت شعبنا الفلسطيني يلاحقها بقوة، وبإضاءات مبتكرة في تجارب النضال والقتال والصمود والتجلي.

نقول لا لخطة الضم الإسرائيلية، كما قلناها لا مدوية لصفقة القرن الأميركية منذ اللحظة الأولى التي أعلن عنها دونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة، لأن صفقة القرن أخطر ما فيها هي خطة الضم الإسرائيلية، التي أعطى الإذن بصياغتها إلى الثالوث اليهودي الصهيوني المقيت وأولهم صهره وزوج ابنته جاريد كوشنر وديفيد ليبرمان سفيره في إسرائيل، وجيسون غرينبلات الذي أدلى بتصريحات مؤخرا في محاولة لتذكير الناس به بعد أن رمي كزبالة في مزبلة التاريخ.

دونالد ترامب في هذه الأيام، النقطة المركزية في حياته هي الرغبة في استمرار الحياة ليس إلا، حتى أنه يقامر بحياة الأميركين أمام كوفيد - 19 ليبقى هو حيًا، فهو ضد سرعة الفحوصات، لأن الفحوصات ستؤدي إلى إعلان النتائج وإعلان الأرقام، وهذا ليس في مصلحته وخاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وحليفه نتنياهو في وضع أسوأ فهو يريد أن يفلت من تهم الفساد والقذارة والخيانة التي تلاحقه من وباله من مصير أسود ينتظره، وهو يريد أن يفلت من اتفاق حكومة الوحدة، حكومة التبادل مع غانتس، ولكن الأمور ليست سهلة، فالفلسطينيون بقيادة رأس شرعيتهم ورئيسهم أبو مازن يلاحقونه على مدار اليوم والساعة والدقيقة، وعلى قاعدة جدول أعمال كثيف جدًا، وعندما يمسك نتنياهو بعصا صغيرة ويشير بها إلى خارطة فلسطين ليقول إن هذه المنطقة أو تلك لازمة لإسرائيل، فهو يعرف أنه مجرد ممثل كوميدي مثير للسخرية.. إن كل إشارة إلى الخارطة الفلسطينية تعني المواجهة الساخنة، فيعود وينزلق نحو الدعاية الكاذبة وهي أن بعض العرب يتسابقون للتطبيع المجاني معه، دائمًا، منذ أكثر من مئة سنة كان هذا الوهم الصهيوني، ولكنه لم يتحقق ولن يتحقق لأن فلسطين ليست مجرد إشكال سياسي طارئ بل هي أصل الوجود، وجود أمة ووجود الإسلام ولن تزول بجرة قلم، أو رسم خطوط على خارطة، الموضوع عميق أكثر من ذلك آلاف المرات.

شعبنا حامل هذه القضية بالدرجة الاول، يعرف أعماقها البعيدة، ويعرف تجلياتها العظيمة، وخطورتها المباغتة، وخبراتنا في صمود الحياة والبقاء أكبر من أن تسجل وتحصى، وعندما قال شعراؤنا: ((شدي حيلك يا بلد)) كانوا على يقين بأن هذا الشعب يعني ما يقول، وأن مايقوله هذا الشعب يكون دائما بشارة الله، شدي حيلك يا بلد ..والبلد فلسطين جاهزة مهيأة لكي تكتب التاريخ كما تريد.