ليس ثمة حدث في هذه المرحلة الجديدة من مراحل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، سجل مشهدًا تاريخيًا كالذي كان يوم أمس الأول في أريحا الفلسطينية، حيث العالم بممثل الامم المتحدة، والاتحاد الاوروبي، وسفراء وقناصل الدول الشقيقة، والصديقة، الى جانب حشد بالالاف من أبناء شعبنا الفلسطيني، وقفوا جميعًا تحت شمس أريحا اللاهبة، وبكمامات التحدي لفيروس "كورونا"، ليعلنوا بصوت واحد رفضهم لمشروع الضم الاستعماري الصهيوني.

مشهد تقتضي الضرورة المهنية، الإعلامية والصحفية، وخاصة بوسائلها المتلفزة، التقاطه بالزوايا الواسعة لكاميراتها، وحتى دونما تعليق، كي لا تتهم بانحياز عقائدي، ولا بانتقائية سياسية، ونظن هنا لو كانت هناك تلفزة مريخية، لما تجاهلت هذه المشهد، لكن على ما يبدو، أن كبرى الفضائيات العربية الإخبارية باتت في مجرات أبعد من مجرتنا، درب التبانة، على أن الامر ليس كذلك البتة، فعمى الكاميرات التلفزيونية لا يكون عادة دونما غاية سياسية، لصالح نخبها السياسية والاقتصادية بالدرجة الأولى!!

لم يكن هناك سوى تلفزيون فلسطين، الذي نقل المشهد بكل تفاصيله، وطبعا هذا دوره، وهذه مهمته الوطنية، والمعرفية، والمهنية، لكن ومرة اخرى، نتحدث عن الضرورة المهنية بحد ذاتها، كيف ولماذا تجاهلتها تلك الفضائيات التي طالما تحدثت وتتحدث عن المهنية والموضوعية ونقل "الحدث من موقع الحدث"، فلم تنقل شيئا من المشهد التاريخي الذي كان في أريحا؟؟ لا نظنه تجاهلًا بريئًا، بل لا يمكن أن يكون كذلك، لأن بعض هذه الفضائيات عادة ما نراها تلهث وراء كل صغيرة في الساحة الفلسطينية، لتسلط الاضواء عليها، وعلى نحو ما تريد من إساءات للسلطة الوطنية!!! وثمة بعض آخر من هذه الفضائيات العربية يقدم 
إسرائيل وروايتها المفبركة في نشراته الإخبارية، وبرامجه الحوارية، ومسلسلاته الدرامية، ولأغراض التطبيع المجاني، واستنادًا لخطابات أصحابها السياسية، يقدمها "كفرصة وليس كعدو"، فيما الواقع وبموضوعية صارمة يقول إن إسرائيل لا يمكن أن تكون "فرصة"، دونما تحقيق السلام العادل، الذي يؤمّن لشعب فلسطين حقوقه المشروعة، ويحقق له أهدافه العادلة، وتطلعاته النبيلة!!

وفي مشهد أريحا العالمي، والرسالي بالمعنى الإنساني العميق، سيسجل التاريخ غياب الفضائيات العربية، كهروب من معركة مصيرية، يخوضها شعبنا الفلسطيني اليوم، هي في الأساس معركة من أجل الأمة العربية، وسلامة مستقبلها، بقدر ما هي من أجل حريته واستقلاله، وسلامة حياته، وصيحة أم الشهيد إياد الحلاق "وامعتصماه" التي أطلقتها في ختام كلمة فلسطين التي القتها في هذا المشهد، لم تكن إلا من أجل أن يتذكر العرب تاريخ مجدهم في النخوات الوطنية والقومية والإنسانية الأصيلة، التي من شأنها اذا ما توهجت جمراتها، وحمحمت خيلها، أن تعيد الحياة للأمن القومي العربي، ما يعيد للأمة العربية حضورها الفاعل بين أمم عالم اليوم بكامل الكرامة والسيادة، وفي ظل السلام العادل والدائم.

ولمشهد أريحا العالمي التاريخي نقول: خسرت تلك الفضائيات كثيرا، بل تكشفت كفضائيات للخديعة لا أكثر ولا أقل!!