تتجند دول وحكومات ومؤسسات العالم لمواجهة استمرار تهديدات وباء وجائحة كورونا منذ بداية العام مع اقتراب عدد الإصابات إلى 9 ملايين إصابة ووصول عدد الوفيات لنحو نصف مليون حالة، وارتفاع درجة مخاطر إمكانية مواجهة الدول للموجة الثانية من الإصابات بعد اتخاذ العديد من الدول إجراءات تسهيل الحركة وتخفيف إجراءاتها الاحترازية ضمن خطط الطوارئ الصحية، هذا هو الشغل الشاغل لمختلف دول العالم ومن ضمنها فلسطين، فنحن جزء لا يتجزأ من هذا العالم في السراء والضراء، نؤثر ونتأثر ونتفاعل مع المستجدات والتغييرات في كل الاتجاهات.

ولكن الحالة الفلسطينية تكتسب هذه الأيام ضغوطاً اضافية بفعل نوايا وخطوات سلطات الاحتلال لزيادة معاناة الشعب الفلسطيني من خلال الاقدام على تنفيذ خططها بالتهام المزيد من الأراضي الفلسطينية تحت قوة السلاح، مستغلة الدعم المنحاز من بعض القوى الدولية لصالح مشاريعها لتهويد وضم ما تبقى من أراضٍ فلسطينية محتلة منذ عام 1967. الجديد ليس في إبراز سياسات وإجراءات سلطات الاحتلال، فهي استمرار لعقود من تنفيذ مخططات، تارة على نار هادئة وتارة من خلال عمليات هدم وتجريف ومجازر ضد الارض والشجر والمساكن الآمنة بحجة عدم الترخيص أو توسيع ممرات آمنة وغيرها من حجج الاستيلاء على الأرض وتهجير سكانها، ولكن تزامن هذه الخطوات يأتي في ظل انشغال العالم بأولوية صحية وخطة طوارئ عالمية لمواجهة جائحة قد تبيد حياة ملايين البشر في كل مكان، جائحة تتطلب التعاون والتنسيق االدولي، للتوصل لحلول  تحمي أرواح الملايين، ولكن ليس تحويل هذا التهديد الى خيمة سوداء لاستغلالها للانقضاض على حياة الآمنين والاستيلاء على تاريخهم ومسكنهم ومزارعهم وتدمير بوابة رزقهم التي توارثوها منذ آلاف السنين.

عدوان من جهات مختلفة يواجهه الشعب الفلسطيني في هذه الأيام، عدو فيروسي ما تلبث أن تنتهي عملية السيطرة عليه واخماده في الأراضي الفلسطينية حتى يعود متسللاً إليها من نافذة صغيرة ليعيد إحياء التهديد والبطش بحياة المواطنين من جديد، وهذه مواجهة تتطلب وقفة ومناعة والتزاماً صحياً شاملاً من كافة مكونات شعبنا وفي كل مكان، حتى نتمكن من الاحتفال بفلسطين خالية من الفيروسات وسمومها لتعود الحياة الى طبيعتها، لأن معركتنا السياسية هي الأساس.

وعدو ثانٍ تشتد أنيابه التي ستتكسر على صخرة صمودنا الوطني والشعبي ممثلاً بإعلان خطة الضم والمصادرة لأراضٍ فلسطينية تاريخية لصالح مشروع الاحتلال ومستوطنيه، ضم بطعم النكبات والمآسي التي حملتها معارك سابقة ضمن سنوات الصراع بين الحق الفلسطيني ومشروع الاستيطان بكافة أشكاله، فالضم جزء لا يتجزأ من كورونا العصر الحديث، لأنه انتهاك لحق الانسان في الحياة وانتهاك للأمن والاستقرار والسلام.

هذه الموجة من تكالب الأعداء كشفت المعدن الحقيقي للشعب الفلسطيني وقيادته وقواه السياسية، معدن يستعصي على الكسر ولا يزيده الضغط والتحدي الا اصرارا على النصر، كيمياء بسيطة لا يفهمها المحتل، الحق يقوى مع الأيام والباطل تضعفه موجات الزمن، فالفلسطيني في الاغوار وفي كل منطقة مهددة بالضم يرتبط بأرضه منذ آلاف السنين، صارع من أجلها عشرات صنوف المستعمرين، بقي هو واختفى كل المستعمرين.

صفحة جديدة من سجل المواجهة مع الاحتلال في زمن كورونا أطلقها الشعب الفلسطيني من خلال التحرك الشعبي الشامل للاعلان عن رفض خطط الضم والمصادرة وكل ما ينبثق عن صفقة القرن المشؤومة، صمود ومناعة رسمية وشعبية انطلقت بصوت واحد من أريحا ليتردد صداها في كل مكان، الفلسطيني كما هو عصي على كورونا، فإنه أشد قسوة وصلابة أمام سياسات التطويع والتهويد والتهجير، فقد يختار العدو التوقيت لتمرير احلامه معتقداً انها اللحظة المناسبة لاستغلال الليل وانشغال الناس بفيروس كورونا، ولكنه سيكتشف أنه وقع في شر أعماله، سيكتشف أن عناد الشعب الفلسطيني لا تكسره الفيروسات، ولا ترهبه إجراءات القمع ولا بطش المستوطنين، فحينما يتعلق الامر بالارض، يكون الفلسطيني على موعد مع الكرامة، وعلى خطوة من الانتفاض من جديد.

آن لهذا الاحتلال وأعوانه أن يفهموا حقيقة بسيطة: الفلسطيني صاحب الحق لا ينكسر أبداً، قد يتعثر، ولكنه ينهض من قلب الركام كطائر الفينيق، نحن لا نموت، نحن الحياة، والحياة لا تكون الا لصاحب الحق في نهاية المطاف. 

ليس أدل على ذلك من حقيقة بسيطة، ليس فقط من تاريخ نضالنا ونضال من سبقنا من شعوب واجهت محتليها، ولكن من واقع يمكن لفاقد البصر والبصيرة إدراكه بسهولة، ففي الوقت الذي تخر دول متقدمة أمام ويلات كورونا رغم مواردها وترسانتها المتنوعة، كانت فلسطين تواجه الوباء بصمود، بكت واستنجدت العديد من الدول والحكومات طلباً للمعونات، والشوارع والشواهد على حالات العجز من مختلف أصقاع العالم تتناثر في كل مكان، إلا أن فلسطين لم تهن ولم تخر أمام التهديد، بل كانت نموذجاً للتصدي المبكر والصمود رغم قسوة وشدة المعاناة، وطورت من مواردها وقدراتها، ما يعينها على الانتصار، ولم تنتظر وصول أي عون، وفي خضم ذلك، ها هي تنتفض في وجه كورونا الاحتلال الخبيث، لتؤكد أننا بصمود شعبنا وبصيرة قيادتنا والتفاف كل الشرفاء من داخل وخارج الوطن، قادرون على دحر هذا الاحتلال الجديد لأراضي فلسطين، وسيرتد الضم سُماً الى نحور أصحابه، وسيشرق صباح نهار جديد على أرض فلسطين في الأغوار وفي كل مكان، صباح تتحرر فيه الأرض والانسان من الاحتلال، لان صمودنا جميعًا هو سلاح مناعتنا السياسية والصحية وبوابة سقوط الضم.