فاجأ الإعلان عن اتفاق بشأن تبادل الأسرى، بين إسرائيلو"حماس"، الأوساط كافة. وجاء هذا الإعلان في أوج معركة الأمعاء الخاوية،التي يخوضها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية.

المفاجأة جاءت نتيجة عوامل عدة متداخلة، كان أبرزهاعامل التوقيت والزمن. التوقيت جاء في حمأة الأزمة السياسية التي تعاني منها حكومة نتنياهو،بعد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وما حظي به المطلب الفلسطيني، الاعترافبفلسطين، كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة. كشفت استطلاعات الرأي، تراجع شعبيةنتنياهو، كما وأن نتنياهو نفسه، وجد ضعف حججه في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

كما أن المفاجأة، جاءت نتيجة مواقف "حماس"السابقة، التي سبق أن أكدت أن عهد الإبعاد قد انتهى، وأنها لن تقبل بإبعاد أسرى إلىخارج فلسطين، كما سبق أن أكدت ضرورة وجود القائدين الوطنيين: مروان البرغوثي، وأحمدسعدات ضمن قائمة الأسرى المحرّرين.

تم الإعلان، إسرائيلياً، ومن ثم من "حماس"،على صفقة تتضمن عدداً غير قليل سيبعدون خارج فلسطين، وكذلك خلو قائمة الإفراج من اسميمروان البرغوثي وأحمد سعدات.

لعلّ ما فاجأ الجميع، هو أن الجندي الإسرائيلي شاليت،ترتبت على أسره، حرب ضروس ضد قطاع غزة، ومرت خلالها آلاف البيوت، ودفع الفلسطينيونما يزيد على ثلاثة آلاف من المواطنين، كان الثمن غالياً، بل غالياً كثيراً، في وقتأن حيثيات الصفقة، كانت أقل من عادية، مقارنة بعملية تبادل الأسرى "النورس"على سبيل المثال.

إضافة إلى ذلك، جرى ترتيب عملية التبادل، سراً ودونإشراك السلطة والفصائل الوطنية الفلسطينية الأخرى، لم تنسق "حماس" مع أحدبشأن هذه العملية.

لعلّ أخطر ما أسهم في المفاجأة، أنها جاءت في وقتيخوض فيه الأسرى معركة حقيقية ضد السلطات الإسرائيلية وإجراءات إدارة السجون. هنالكحرمان حقيقي يفرض على الأسرى، حرمان من العلاج ومن الدراسة، ومن أبسط حقوق الاختيارالذاتي من شراء أمور خاصة من "الكنتينا".

لم تتضمن صفقة تبادل الأسرى، ضرورة تحقيق أي مطلبمن مطالب الأسرى، وبقيت معركتهم قائمة، رغماً عن هذه الصفقة.

لا أحد يقف ضد تحرير أسرى فلسطين، بل على النقيضمن ذلك، فتحريرهم مطلب وطني من الطراز الأول، وواجب استقبالهم وتكريمهم، وتبجيلهم هوواجب وطني. لكن دراسة هذه الصفقة تحديداً، علينا أن ندرسها بدقة وشمولية، وعلى نحوٍغير معزول عما أحاط بها من اعتبارات زمنية وسياسية. علينا دراستها بعمق بعيداً عن الاعتباراتالعاطفية. علينا مقارنتها بما سبق من عمليات تبادل، وأبرزها، عملية "النورس".ما جرى، حقيقة، قام بتخفيض سقف التوقعات المعقودة عليها، وما جرى، لم يكن معزولاً عماأحاط بهذه العملية من اعتبارات سياسية واضحة!.